لا يمكن فهم استهداف المملكة العربية السعودية، وعلى هذا النحو، من قبل إيران، إلا على أنه: أولا، كسر للحلقة الرئيسية في السلسلة العربية لتنفيذ مشروع الهيمنة الإيرانية بشكلها الفارسي القديم على هذه المنطقة. وثانيا، لإخراج الرقم العربي الأكثر تأثيرا من معادلة ما يجري في سوريا لضمان بقاء هذا النظام، الذي على رأسه بشار الأسد، والذي حول دولة عربية، كانت تعتبر قلب العروبة النابض، إلى مجال حيوي لجمهورية الولي الفقيه التي، وللأسف، سرعان ما تكشف بعد إعلانها في فبراير (شباط) عام 1979 أنها تحمل رسالة فارسية إمبراطورية وليس رسالة إسلامية حتى على المذهب الجعفري الاثني عشري الذي لا إشكالات معه كمذهب. لقد بات معروفا ومؤكدا أن جمهورية الولي الفقيه قد دخلت ميدان المواجهة، إلى جانب هذا النظام الذي سهل لإيران استباحة سوريا العربية بالطول والعرض، منذ الخامس عشر من مارس (آذار) الماضي؛ إن بالأموال الطائلة التي دفع قسطا وافرا منها وكيل علي خامنئي في العراق رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وللأسف، وإن بالسلاح الذي اعترضت تركيا سبيل بعضه بحرا وجوا، وإن بكتائب من «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني من خلال ألوية «الشبيحة» التي ارتكبت أبشع الجرائم ضد أبناء الشعب السوري من الأطفال والنساء والرجال بالطبع، وإن بجيش الفنيين الذي امتدحه بشار الأسد في إحدى خطبه والذي لا يزال يلعب دورا بارزا في الرد على تعليقات المواقع الإلكترونية وفي التشويش على الفضائيات العربية. كان تقدير إيران منذ انفجار هذه الانتفاضة التي تحولت إلى ثورة شاملة، وهو تقدير صحيح، أن انهيار نظام بشار الأسد وسقوطه سيكون بمثابة ضربة قاصمة للمشروع الإمبراطوري الفارسي، وليس الشيعي الإسلامي، في هذه المنطقة، وأن فقدان أكبر رأس جسر لنفوذها في المحيط العربي سيؤدي إلى فقدان رؤوس الجسور الأخرى؛ إن في لبنان من خلال حزب الله، وإن في الحالة الفلسطينية من خلال حركة حماس وللأسف، وإن في العراق من خلال حزب الدعوة ونوري المالكي وأيضا من خلال جيش المهدي ومقتدى الصدر، وإن في البحرين، وإن في اليمن من خلال الحوثيين الذين يسعون لتحويل المذهب الزيدي المعتدل والمتسامح إلى مطية لأطماع دولة الولي الفقيه الإيرانية. إن هذا هو الواقع، ولذلك، فإن إيران قد سارعت بعد هذا الدرس البليغ الذي فهمته جيدا إلى استهداف الحلقة العربية الرئيسية لتتمكن من تكسير الحلقات العربية الأخرى تباعا. والملاحظ هنا أن التخطيط لجريمة اغتيال السفير السعودي لدى الولاياتالمتحدة الأميركية ونسف السفارة السعودية في واشنطن وفي بيونس آيرس بالأرجنتين قد بدأ في مايو (أيار) الماضي؛ أي بعد نحو شهرين من بداية انتفاضة الشعب السوري ضد نظام الرئيس بشار الأسد، التي كانت قد بدأت كما هو معروف في منتصف مارس (آذار) الماضي انطلاقا من مدينة درعا الحورانية التي سيسجل لها أن بداية مرحلة تاريخية؛ إن بالنسبة ل«القطر العربي السوري» وإن بالنسبة للأمة العربية كلها، قد بدأت منها. والملاحظ في هذا الصدد أن إيران، بينما كان مخططها الآنف الذكر لم يكشف النقاب عنه بعد، قد بادرت إلى افتعال أحداث شغب «العوامية» في المنطقة الشرقية لشغل المملكة العربية السعودية بمشكلة داخلية للحؤول دون توفير المزيد من دعمها السياسي وغير السياسي لانتفاضة الشعب السوري؛ حيث بدأت هذه الانتفاضة تتحول إلى ثورة شاملة بات يعترف بها العالم كله، وحيث ازداد بطش النظام بهذا الشعب العظيم بعدما تحولت الانشقاقات في القوات المسلحة السورية إلى ظاهرة مرعبة جعلت هذا النظام يشعر بالخطر الحقيقي وجعلته يتصرف على أساس أن أيامه باتت قليلة. وكل هذا وللمزيد من إرباك المملكة العربية السعودية، فإن السيطرة الإيرانية على العراق قد لجأت مجددا إلى التعبير عن نفسها من خلال المزيد من إقحام هذا البلد العربي الذي له حدود طويلة متداخلة مع الحدود السعودية، في الاغتيالات ذات الطابع الطائفي وفي استهداف بعض المناطق ذات الأغلبية السنية، وهذا بات واضحا ولا يمكن إنكاره، حتى وإن أقسم نوري المالكي بكل الأئمة الجعفريين، رضوان الله عليهم، في صحن النجف الأشرف ومن تحت قبة كربلاء المقدسة. ولذلك، وبعد انكشاف مؤامرة محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن ونسف السفارتين السعوديتين في العاصمة الأميركية والعاصمة الأرجنتينية، فإنه لا ضير في أن تكون هناك مواجهة سياسية مع إيران في مجلس الأمن الدولي ليعرف العالم كله كم أن هذه الدولة غدت مارقة وأنها تحولت إلى إحدى عصابات الإرهاب والجريمة مثلها مثل «القاعدة» ومثل حركة «طالبان» وكل التنظيمات الإرهابية التي عاثت في الأرض فسادا في النصف الثاني من القرن العشرين؛ ومن بينها الألوية الحمراء الإيطالية، و«بادر ماينهوف» الألمانية، و«النجم الساطع» البلجيكية، و«الجيش الأحمر» الياباني، و«التوباماروس» في أميركا اللاتينية. وأيضا، وبالمقدار ذاته، فإنه لا بد من أن تفرض عقوبات صارمة على هذه الدولة التي غدت بمثابة ضرس ملتهب في فك هذه المنطقة المريض، وأنه لا بد من مقاطعة دولية فعلية وحقيقية لها، وهنا، فإنه لا بد من إفهام بعض دول العالم الرئيسية؛ ومن بينها روسيا والصين، أن العلاقات الدولية مصالح، وأنهما ستخسران مصالحهما في الخليج العربي وفي معظم المنطقة العربية، إن لم يكن كلها، إن هما انحازتا لإيران في هذه المواجهة الاستراتيجية، وأيضا إن هما بقيتا تعترضان وتعطلان أي إجراء أكثر حزما ضد هذا النظام السوري الذي تزداد جرائمه يوما بعد يوم، والذي غدا مؤكدا أنه مستمر بالمعالجة الأمنية والعسكرية ضد شعبه الذي لا تزال ثورته سلمية. لكن، وإلى جانب هذا كله، يجب الأخذ بعين الاعتبار أن الأكثر تأثيرا على إيران حتى من استهداف المجتمع الدولي لها بعمل عسكري مباشر، هو ضرب رؤوس جسور نفوذها في المنطقة العربية وأهمها على الإطلاق الجسر السوري الذي كان وفره لها حافظ الأسد بعد ثورة عام 1979 الخمينية مباشرة؛ حيث أصبحت سوريا بموقعها الاستراتيجي وبمكانتها العربية وبقدراتها الهائلة وبتاريخها العظيم وبحاضرها المؤثر، مجالا حيويا؛ سياسيا وعسكريا وطائفيا، لدولة ترفع رايات الإسلام لكن كل تطلعاتها تتركز على استعادة نفوذ الفرس في مرحلة ما قبل انبلاج فجر الرسالة الإسلامية العظيمة في هذه المنطقة العربية الممتدة من البحرين شرقا وحتى طنجة وأصيلة في الغرب. إن انتصار الثورة السورية، وإن إسقاط هذا النظام، هو الرد الفعال والصحيح على تمادي إيران في استهداف المملكة العربية السعودية واستهداف العرب كلهم.. ولهذا، فإنه لا بد من توفير كل أشكال الدعم لهذه الثورة؛ من إلزام فصائلها إلزاما بتوحيد صفوفها، والاتفاق على قيادة واحدة وموحدة، إلى توفير ما هي بحاجة إليه من أموال لدعم شعبها الذي وصلت سكاكين النظام إلى عظام أبنائه، إلى تنشيط الدبلوماسية العربية والضغط على الأممالمتحدة لتوفير الحماية الفعلية لشعب غدا مستباحا ومعرضا للمجازر الدموية اليومية من قبل نظام لم تعد لديه لا محرمات ولا خطوط حمراء وبات واضحا أنه مصر على خيار العنف الأمني والعسكري حتى النهاية. إن هناك الآن محاولة محبوكة بطريقة «دهاقنة» الفرس القدماء لتمييع زخم الاندفاعة الدولية لمعاقبة طهران على هذه الجريمة، وذلك من خلال سعي إيران ووكلائها في المنطقة لإقناع المملكة العربية السعودية والعرب والعالم بأن القرار الإيراني ليس واحدا وأن هناك أكثر من مركز قوى في طهران، ومن خلال إبدائها، وفقا لتصريحات وزير خارجيتها الأخيرة، مرونة كاذبة لو جرى التدقيق فيها لثبت أنها أكثر تشددا من تهديد ووعيد مرشد الثورة علي خامنئي.. ولهذا، فإنه لا بد من الحفاظ على الاندفاعة الدولية في هذا الشأن، وأنه لا بد من الالتفات إلى المجازر التي يرتكبها نظام بشار الأسد بطريقة فاعلة هدفها إخراج هذا البلد العربي من محيطه تقلا عن الشرق الاوسط