منذ اليوم الأول لانطلاقة شرارة الثورة السورية، التي هي جوهرة ثورات الربيع العربي، كان يجب إدراك، والتصرف على هذا الأساس، أن هذه المعركة بالنسبة للبعد الإقليمي منها، وهو بعد رئيسي، هي معركة إيران التي اخترعت حكاية «فسطاط الممانعة والمقاومة» واستخدمت سوريا هذا النظام ومعها حزب الله وحركة حماس، قبل أن تكتشف حجم خطيئتها وتثوب إلى رشدها وتتراجع، غطاء لترويج مشروعها الاستراتيجي لإحياء نفوذ الإمبراطورية الفارسية القديم في الشرق الأوسط والمنطقة العربية. لقد أدركت إيران، التي كانت قد لعبت على العامل الطائفي بعد انتصار الثورة الخمينية مباشرة لإدخال سوريا في منظومتها ولجعلها شريكا في مشروعها الشرق أوسطي لاستعادة «مجد» الإمبراطورية الفارسية بعد انتزاعها من إطارها العربي، ومنذ انطلاقة شرارة هذه الثورة المباركة الواعدة من درعا في 15 مارس (آذار) الماضي، أن هذه المعركة هي معركتها، وأن انهيار نظام بشار الأسد سيشكل نهاية للنفوذ الحيوي الذي تسعى إليه في هذه المنطقة الحيوية. ولهذا فإن إيران - بالإضافة إلى وجودها الأمني و«الطائفي» السابق، وللأسف أن نتحدث بهذه اللغة - قد بادرت بسرعة، ومنذ اللحظة الأولى، إلى مشاركة قوات نظام بشار الأسد وأخواله وبعض أعمامه استخدام القوة الغاشمة لإخماد نيران ثورة الشعب السوري، وجاءت هذه المشاركة بالمال والسلاح وخبراء القمع وألوية «عاشوراء»، التي أثبتت كفاءتها في تحطيم الثورة الخضراء التي قادها موسوي وكروبي ومحمد خاتمي، وبضباط فيلق القدس بقيادة قاسم سليماني الذي بات يوجد في دمشق أكثر من وجوده في العاصمة الإيرانية. حتى قبل كشف صحيفة ال«تليغراف» البريطانية عن عزم إيران إقامة قاعدة بحرية على شواطئ البحر الأبيض المتوسط في ضواحي مدينة اللاذقية، وسكوت إسرائيل على هذا التطور الذي يحمل دلالات كثيرة، فإن التدخل الإيراني، بالأموال والأسلحة والخبراء والنفط، كان واضحا ومعروفا لكل الدول المعنية بهذه المسألة وبمستجدات الوضع السوري بعد 15 مارس الماضي، وكان المفترض أن تكون هناك وقفة عربية جادة سريعة إزاء هذا كله، وذلك لأن المستهدف بإخماد نيران هذه الثورة هو عودة سوريا إلى بعدها العربي وإخراجها من هذا الذي يسمى «فسطاط الممانعة والمقاومة» الذي لم يعد هناك شك، إلا لأعمى البصيرة، أنه ليس أكثر من مجرد غطاء للتطلعات الإيرانية لنفوذ إمبراطوري في الشرق الأوسط والمنطقة العربية. والآن، وقد أصبحت المواجهة واضحة ومكشوفة، وأصبح الدور الإيراني رئيسيا في قمع الشعب السوري والإصرار على إعادته بالتقتيل والعنف وسفك الدماء إلى بيت طاعة هذا النظام، الذي حوَّل دولة عربية محورية وأساسية إلى مجرد بيدق صغير على رقعة الشطرنج الإيرانية، وإلى مجرد رقم في المعادلة «الصفوية» الجديدة، فإنه لا بد من أن يكون هناك تنسيق عربي عاجل وسريع، إن ليس من قبل العرب كلهم فمن قبل المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي والأردن ومن أراد من الآخرين، ولا بد من أن يكون هناك تدخل، نعم تدخل؛ لأن الشأن السوري الداخلي في هذه الحالة هو شأن داخلي لكل الدول المجاورة والمجاورة للمجاورة لمنع ذبح السوريين ولو باللجوء إلى القوة. لا تجوز إضاعة الوقت بالتردد وبالحسابات الزائدة على اللزوم، بينما تواصل الآلة العسكرية، التي لإيران دور رئيسي فيها، طحن الشعب السوري وإبادته، وهنا فإنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار، دائما وأبدا وقبل اتخاذ أي موقف، أن نتائج هذه المواجهة ستحدد مستقبل المنطقة العربية كلها ولسنوات طويلة، ففوز نظام الرئيس بشار الأسد هو فوز لإيران التي ارتقت حلبة المواجهة ومنذ اللحظة الأولى بالطول وبالعرض وبكل إمكاناتها وبأفق أنها معركتها ومعركة نفوذها المنشود في الشرق الأوسط كله. يجب عدم التردد على الإطلاق؛ فالأحداث تتلاحق بسرعة، وعلى العرب الذين يعرفون أنه ستترتب على نتائج هذا الذي يجري في سوريا معادلات سياسية كثيرة، وأنه إذا تمكن هذا النظام، الذي لجأ إلى القوة العسكرية الغاشمة منذ اللحظة الأولى ولم يستمع لنصائح الذين نصحوه بأن يبتعد عن حلول العنف والسلاح، من إخماد ثورة الشعب السوري، فإن الحضور الإيراني سيظهر، على الفور، في أكثر من دولة عربية، وبخاصة الدول التي تعتبرها «الصفوية» الجديدة مجالا حيويا لإمبراطورية إيران المنشودة، ومن بينها حتى مصر، التي يراهن الإيرانيون وسماسرتهم المحليون على إبعادها عن دورها العربي وإلحاقها بهذا المشروع الذي يرتدي ثوب «فسطاط الممانعة والمقاومة». إيران وهي ترمي بكل ثقلها المالي والاستخباري والعسكري على هذا النحو، إلى جانب نظام عائلة الأسد، فإنها في حقيقة الأمر تتصرف على أساس أنها في سباق مع الزمن، وأنه يجب حسم الأمور بسرعة قبل أن يستجد موقف إقليمي ودولي فعلي وفاعل يجعل إمكانية استيعاب هذه الثورة وإنهائها مكلفة وفي غاية الصعوبة، إن لم نقل مستحيلة. وهنا فإن ما يجب أخذه بعين الاعتبار، بينما الأمور تتلاحق بهذه السرعة كلها، أن نظام الرئيس بشار الأسد، الذي لم يعطِ، منذ اللحظة الأولى، أي فرصة، وإن محدودة، لمعالجة الأمور سلميا وبالعقل والحكمة، بات، ومعه إيران، يتحرك وفقا لخيارين؛ فإما إحباط هذه الاحتجاجات وإفشال هذه الثورة وإطلاق المشروع الإمبراطوري الإيراني، الذي هو مشروعه ومشروع نظامه، ليلتهم الشرق الأوسط والمنطقة العربية كلها، وإما الاستمرار بالذبح والتقتيل لتمزيق سوريا وتوفير مبررات إنشاء دويلات طائفية على أنقاض دولتها الحالية، من بينها الدويلة «العلوية» التي استبقت طهران قيامها بإنشاء قاعدة اللاذقية البحرية التي لعدم اعتراض إسرائيل على إنشائها دلالات كثيرة. لذلك، وفي ضوء هذا كله، فإنه غير جائز النظر إلى ما يجري في سوريا من زاوية ما جرى في تونس وفي مصر ولا من زاوية ما يجري في ليبيا واليمن. فسوريا مسألة أخرى، لذا فالتعاطي مع ما يجري في سوريا يجب أن يكون على أساس أن هذه المعركة هي معركة المشروع الإمبراطوري الفارسي الجديد في هذه المنطقة كلها، وهي معركة «الصفوية» الجديدة في الإقليم كله، والدليل هو انفجارات العراق الأخيرة التي لا يمكن إلا اعتبارها جبهة رئيسية في هذه المعركة السورية المحتدمة. الوقت يمضي بسرعة، وما يجري في سوريا لم يعد بالإمكان احتماله، لا أخلاقيا ولا سياسيا، وبخاصة أن إيران، ذات الأطماع المعروفة والمكشوفة، قد بادرت إلى التدخل، بكل أشكال التدخل، في الشأن الداخلي السوري الذي أصبح شأنا داخليا لكل الدول المجاورة والمعنية، إن بصورة مباشرة أو غير مباشرة. فالشعب السوري يُذبح في وضح النهار، وبيانات رفع العتب إن كانت مقبولة في مراحل سابقة فإنها غدت غير مقبولة على الإطلاق بعدما تمادى نظام بشار الأسد في استخدام القوة الغاشمة وزرع الموت والدمار في كل مدينة وقرية سورية. لا يوجد أي بصيص أمل في أن تفلح الضغوط المتصاعدة التي لجأ إليها الأميركيون والأوروبيون لثني النظام السوري عمَّا هو ماض به؛ لذلك فإنه لا بد من الإسراع في الاتفاق على الخيار البديل بالتشاور والتنسيق أساسا مع تركيا التي هي بدورها، كما قال رجب طيب أردوغان، غدا الشأن الداخلي السوري شأنا داخليا لها، والتي من المؤكد أن المشروع الإمبراطوري الإيراني يستهدفها كما يستهدف المنطقة العربية. نقلا عن الشرق الاوسط