المهارة هي قوة مكتسبة تساعد الإنسان على القيام بعمله بطريقة مؤثرة، وهي بحاجة إلى أمور عدة، يجب أن تتوافر في الشخص الراغب في إتقانها، وأول تلك الأمور هو الاستعداد الفطري لاكتساب تلك المهارة, ثم يأتي الميل النفسي في المرحلة التالية أو الرغبة في الإتقان, ليصل إلى مرحلة القدرة على إتقان تلك المهارة. وذكر العالم إدوارد هول مقولته ''حب ما تعمل لكي تعمل ما تحب'' في كتابه الشهير ''حافة الثقافة''، والمقصود أن يقوم الشاب بمزاولة المهارة ويحبها إلى درجة وصوله إلى مرحلة التفكير الوجداني اللا شعوري الذي تصل فيه درجة التحكم إلى مستوى يشابه ممارسة فتح باب المنزل مثلاً. وقال عالم التربية فيجوتسكي 1938 ''الإنسان لا يتعلم في محيط لا يحبه ولا يشعر بتعلقه، نتيجة عدم اهتمامه أو محبته لما يمارسه أو يتعلمه''، وبالطريقة نفسها فإن من يمارس مهارة لا يحبها فإنه لن يتعلمها بسهولة ولن يتقنها، لأن غياب روح الحماسة أو الدافعية إلى ممارسة العمل يؤدي إلى كره العمل، وعدم حب ما يُمارس يؤدي إلى غياب الروح الابتكارية، التي تنتج عن إتقان الممارس للمهارة، ثم محاولة عملها وتطبيقها بأسلوب آخر مبتكر. إن أمورا كتلك يجب أن تكون حاضرة في أذهان القائمين على شأن التدريب، فالمؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني مثلاً كجهة رائدة في تزويد سوق العمل بالكفاءات اللازمة، يجب أن تضع هذه الحقيقة في اعتبارها عند قبول مجموعة من الشباب السعوديين أو الفتيات السعوديات المتقدمين إلى برامجها المطروحة، كما لا نغفل صندوق تنمية الموارد البشرية، الذي يُعتمد عليه كثيراً في مجال السعودة، يجب أن يأخذ ذلك في عين الاعتبار، إضافةً إلى الجهات المسؤولة عن وضع اختبارات القياس واختبار القدرات, هي الجهة المعنية بشكل أساسي بوضع هذه الحقيقة موضع التنفيذ، وفق أسس علمية مدروسة، تستعين من خلالها بما تطبقه الدول الصناعية المتقدمة في هذا المجال. إن زمن توارث المهارات يكاد يكون قد انتهى، فلم يعد الابن يرث صنعة أبيه, كما كان يحدث في السابق، وأن الصناعة الحديثة المتداخلة في عصر العولمة في حاجة إلى مهارات فنية ويدوية وتقنية عالية، ولعل مرحلة الممارسة الفعلية لمهنة ما, تكون فرصة لتنمية المهارة وصقلها, ولكن الشخص غير الراغب في اكتساب المهارة في الأصل سيكون غير قادر على تطويرها في مرحلة لاحقة. إن حاجة الوطن إلى وظائف بشتى تخصصاتها يجب ألا تلغي حقيقة كتلك، ويعمل على وضع خطط تطويرية يجعلها تضخ في سوق العمل أعدادا هائلة من الشباب، مؤهلين لشغر الوظائف المتنوعة الاختصاصات، وأن تسعى الجهات المسؤولة إلى توجيه وتنشيط المهارات للذين يفقدون الاستطاعة في تنمية قدراتهم وتحسين مستوى أدائهم، لدرجة تجعلهم عبئاً على جهة العمل في تبرير رغبة شريحة عريضة من جهات العمل في القطاع الخاص في استقدام العمالة الأجنبية، مما يجعلنا نسير بعيداً في الحلقة المفرغة، بين توجه الدولة نحو السعودة، وتذرع القطاع الخاص بنقص العمالة الماهرة من السعوديين. وليس أمراً مسلما في ظني أن يكون العامل الأجنبي أكثر مهارة من العامل السعودي، في ظل وضعنا الراهن في السعودية، خاصة عقب تلك التطورات التي يشهدها القطاع العلمي سواء مهنيا أو فنيا أو إداريا... إلخ من التخصصات المتعددة كافة، فلقد أتى الوقت الذي نفند فيه المقولة الشائعة لدى المديرين والمسؤولين في الشركات أن المواطن السعودي لا يعطي العمل حقه مثل الوافد الأجنبي في أي قطاع كان. ففي رأيي أن الشاب السعودي لديه في المنظور الأول العزم على تقديم المستطاع في خدمة دينه ووطنه المعطاء، وفي المنظور الثاني القدرة الجبارة التي يتملكها في الإنجاز في المجال الذي يميل إليه، فلعلنا نجد مهارات سعودية تنتظر فرص الاعتراف بها وإعطاءها الفرصة للكشف عن إبداعاتها المكبوتة، وإن ما نراه واضحاً أمام أعيننا في الشركات الخاصة أقرب مثال، فنجد المدير أو المسؤول والذي يندرج تحته مئات الموظفين بل آلاف ذوو المسميات المتعددة قد يُكرس اهتمامه لاستقطاب العمالة الأجنبية، مخلفاً وراءه عملية ازدياد البطالة تحت أغطية كثيرة، منها تقليل التكلفة أو الحوافز أو القدرة على السيطرة، باستقطابه العمالة الوافدة الأجنبية. خلاصة إنه وقت شبابنا الآن لإثبات الذات، باكتساب المهارات لكي ندير عجلة البناء في هذا الوطن الغالي ونختصر الزمن, فسواعد أبناء الوطن هي وحدها القادرة على إعلاء صرحه. نقلا عن الاقتصادية