أقام الملتقى الثقافي بفرع جمعة الثقافة والفنون بالرياض بالتعاون مع نادي شركة الكهرباء محاضرة عن كتاب (عروق الذهب .. الخطاب النقدي وتداخل الأجناس) للدكتور سعود بن سليمان اليوسف, قدمها الكاتب حمد حميد الرشيدي فيما ادارتها الاستاذة سارة الرشيدان المشرفة على الملتقى, وبدأ الرشيدي المحاضرة بالتعريف أن الكتاب إنها رسالة (دكتوراه) وهي دراسة علمية أدبية, تجمع بين النقد من منظور (علمي) من جهة وبين الأدب من منظور (فني جمالي) من جهة أخرى، ومفسراً العلاقة القائمة بينهما ومفاهيمها وأبعادها ومعاييرها، وتلك الفواصل والقواسم المشتركة بين كل منهما, ثم قدم مدخلا تاريخيا قائلا:عرف العرب (النقد) وارتبط هذا اللفظ عندهم بالذائقتين: اللغوية ببعدها الحقيقي والدلالي (الدال والمدلول)، والأدبية بأبعادها الجمالية والمجازية, إلى أن اتخذ معناه (الاصطلاحي) الجديد مع مرور الزمن ليصبح أوسع دلالة وأكثر شمولية من ذي قبل، حيث صار علما مستقلا بذاته، له رؤاه ومناهجه ومدارسه وأدواته وفنياته الخاصة به, وأضاف: من هذا المنطلق لم تعد كلمة (نقد) في خطابنا الأدبي المعاصر كلمة مخيفة، أو مثيرة للقلق والاشمئزاز بالنسبة لأي مبدع يحاول أن يسلك طريق الابداع الأدبي، بشقيه: الشعري والنثري. وضرب المحاضر بداية النقد في العصر الجاهلي بقصة النابغة مع حسان بن ثابت، وتركيز نقده له على علاقة اللفظ بالمعنى. أما فيما تلا ذلك من العصور - خاصة القرون الهجرية الأربعة الأولى – فقد تطور الخطاب النقدي العربي بعض الشيء، بل كان أكثر وضوحا ونضجا لدى انتقال الأدب من مرحلة (المشافهة) الى مرحلة (التدوين) حتى تأثر النقد بالمناهج الغربية. ثم تناول كتاب عروق الذهب فقال: يأتي هذا الكتاب (عروق الذهب) ليساهم في إيجاد صياغة جديدة ل( مفهوم النقد الأدبي) واكتشاف جمالياته، برؤية حديثة، تتعامل مع النتاج الابداعي تعاملا يحترم التجارب الابداعية وفق منهجية معينة ومتوازنة، تحتفي بالمهارات الانسانية، مهما كان مستواها من الجودة والرداءة، وترتقي بها عن أن تكون مجرد مادة مطروحة، تحمل في تكوينها ما هو عرضة للقبول أو الرفض من قبل عامة الناس , وتعتبر (التجربة الابداعية) بحد ذاتها، ومهما كانت قيمتها وصفتها خطوة جريئة وجادة – مبدئيا- في طريق المبدع، والمواهب الجديدة نحو سلوك منهج تجريبي يخصها، ليس من المهم معايرته، أو فحصه لتحديد منزلته من الجودة أو الرداءة من عدمهما، بل الأهم من ذلك - وقبل كل شيء - أن ينظر اليه الناقد على أنه نتاج انساني له (جمالياته) ولا تخلو مادته من عبق مشاعر الانسان، وإحساسه الصادق بما حوله، وهو جدير بالاحترام من قبل الجميع. ومن هنا جاءت عبارة (دراسة لجماليات النقد الأدبي) كعنوان فرعي لمحتوى هذا الكتاب، لتجمع في سياقها بين كلمتين متنافرتين بمعانيهما، هما كلمة (جماليات) وكلمة (نقد) وهي صياغة مستحدثة لم يعرفها موروثنا الأدبي وتراثنا العربي الا في عصوره المتأخرة. ومن أهم المسائل التي تطرق اليها (اليوسف) بكتابه هذا علاقة النقد – كعلم – بالأدب – كفن – وتداخلهما، وأهمية كل منهما بالنسبة الى الآخر، والمقارنة بينهما, مشيرا لمسألة (تداخل الأجناس) ببعضها، كدخول الرواية بالمسرح، أو النثر بالشعر، أو المقالة بالقصة أو العكس, مما يجعل المختصين تجاهها مختلفين حول ماهية التداخل بين هذه الأجناس، ومعرفة كنهه، والقواسم المشتركة بينها وحدودها، والضوابط التي يمكننا بموجبها تجنيس هذا الخليط المركب للنص محل الدراسة وفرز مادته. واستمر باستعراضه وختم قائلا: كما أعتقد أيضا أن الباحث / المؤلف كان موفقا جدا فيما طرحه في (عروق الذهب) واختياره لهذا العنوان الجذاب الذي استوحاه من التراث العربي القديم من قصة تقارن بين موقف (الناقد) المبرد والشاعر أو المبدع (البحتري)، وهو المنهج ذاته الذي سلكه الدكتور سعود اليوسف من خلال كتابه هذا كناقد، مشيرا لما امتاز به الباحث من سعة الأفق اللغوي والعلمي والثقافي والمعرفي، واتصاف أسلوبه بالوضوح والموضوعية المتجردة، ورؤيته بالعمق، وبعد النظر. وفي نهاية المحاضرة أجاب المؤلف الدكتور سعود اليوسف على استفسارات الحضور موضحا منهجه في الكتاب.