اولا باسمي وبالنيابة عن "صحيفة التميز " اتقدم لك بالشكر لاتاحة الفرصة لإجراء هذا اللقاء الطيب ... وانا ايضا تشرفت بالفرصة ذاتها المتاحة لفكري المتواضع على صفحات تحمل عنوان (التميز) .. والكتاب طبعا من عنوانه.
اولا عرفنا بنفسك؟ أحمد إبراهيم، مواطن إماراتي متواضع مولود في إمارة دبي، وكلمة "دبي" في التراث الخليجي، لها مدلولاتها التنوّعية ذات متعددة الجنسيات، مما يصطلح عليها باللغة الإنجليزية Multinational)) ... ودبي (بكسرالدال) هي حشرة كانت تتواجد وتتكاثر بجوار خور دبي، والملاحون بحكم تنقلاتهم بين من وإلى الدول المستهدفة آنذاك للتجارة على سبيل المثال لا الحصر (إيران، باكستان والهند) كانوا يجتمعون في خور دبي للإنطلاق الى تلك الموانئ، وعادة كانوا ينامون على السيف بجوار مراكبهم الخشبية وشراعهم، فكانت حشرة "ديبي" تزعجهم، ثم يتجه منها كل على حده الى موانئ مستهدفة مثل البصرة، "كراتشي"، و"بمبي"، ثم اذا التقوا ببعضهم في مناطق اخرى ودول اخرى، يتذكروا بعضهم من خلال حشرة "دبي" التي كانت تزعجهم وهم ينامون قبل الإبحار.!
والشاهد، هنا ان طبيعة الحياة في دبي، كانت تفرض عليك حياة اجتماعية مزدوجة بقبول الذات وقبول الآخر، منذ آنذاك .. فتكون قد تعودت على لغات متعددة لدول عدة وثقافاتها وحضاراتها وتلك المنطقة التي عرّفت نفسها بتسمية حشرة رملية، باتت اليوم منجم من مناجم الأقاليم والقارات التي يقتدى بها دول متحضرة كأوروبا وامريكا .. والفضل في كل ذلك طبعا بعد الله تعالى، يعود الى القيادة الإماراتية الرشيدة على المستويين المحلي و الإتحادي لزايد الخير ابو الدولة(الاتحاد)، ولراشد بن سعيد مهندس الإمارة(دبي) .. رحمهما الله، وللخلف الرشيد من أبنهائهما النجباء النبلاء حفظهم الله.
ما طبيعة توجهاتك الادبية، ما اكثر مايشد قلم الاستاذ احمد؟ سؤال دقيق يتحمل المعنيين "التوجّه والشد" .. للإنسان العربي وهو مدانٌ في ثقافته التقليدية لملف فتح من غار حراء بكلمة (إقرأ) .. فعلُ أمر رُفع في البيت العتيق وظلّ صداه يدوى كوكب الأرض. فبالتالي "التوجّة والشدّ" الادبي للمواطن العربي كالبحر بموسميه "المدوالجزر"، والبحر يجزر منا الكثير، ليمدنا بشيئ من اللالئ والثروات .. كذلك المتذوق للأدب العربي في توجهاته وعطاءاته يجب ان لايقل عن البحر بموسميه (المدي والجزري) .. علينا بالقراءات الكثيرة، لنعطي وإن قلّ بما دلّ .. وبالكيف قبل الكم .. ولما تحقق ذلك لولا مهبط الوحي والتنزيل وجّهنا على الصفحة الأولى ب:(إقرأ) هل تعتبر التعبير عن الرأي من خلال منابر الاعلام يؤخذ بالاهتمام ؟ يؤسفني أن استخدم هنا (لا) قبل نعم هنا، والسبب قلة القراءاة .. فلو ان كل فكر مطروح في المنابر المفتوحة تمّت قراءته بدقة وتحليل، لأكتشفنا أن الكثير من المدفونين في القبور كانوا عوضونا عن الخبراء الاجانب.! ولازالت الفرصة متاحة للإصغاء لكثير ممن بين ظهرانينا ولئالي أفكارهم تذرف في المواقع الالكترونية دون أذن لهم صاغية، والسبب، عدم إنصياعنا لأمر (إقرأ)
ما الاختلاف بين الاهتمام بالمثقفين ع الصعيد العربي والعالمي ؟ على الصعيد العالمي، الساحة تجيب على السائل إن كان زار تلك الدول التي تحتفظ بتمثال لكاتب، او روائي، او فنان .. واقرب مثال (شخصية شكسبير) بعد مرور عقود على دفنه، لم تدفن آثاره، هناك في بريطانيا منظومة ثقافية سياسية إستراتيجة تسهر على إحياء هذه الشخصية الإنجليزية الأسطورية ليس في أذهان الإنجليز وحسب بل وفي أذهان أعدائهم التقليديين .. على اساس انها أُسطورة ثقافة إنجليزية يجب ان لا تنتهي حلقاتها بتجديد الدماء والاجيال .
من هو مثلك الاعلى ؟ شخصية الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، الذي رفض القراءة وفرض القرءة ..! وبين الرفض والفرض صنع أمة تقتدي بها الأمتان: (الأمة العربية) بلغة الضاد، (والأمة الإسلامية) بلغة الدين.
فكرة تراودك منذ زمن وتتمنى ان تحققها ؟ إرضاع الجيل القادم (الأدب العربي)، مهما كانت اتجاهاتهم علمانية مسلّّحين بالعلوم التطبيقية والبحتة، علينا ان نرضعهم حليب الأم العربية .. حتى لايتحول 200 مليون عربي يوما ما إلى حظيرة إخوان رضاعة بحليب (نيدو) الهولندي، وفي بيته أجود النوق والجمال J *إبتسامة*
هل هناك فاصل مابين الكاتب احمد ابراهيم والانسان ؟ نعم، فرق ولافرق، .. إذ لافرق لو قيّدناه كاتبا دون ان نضيف عليه (شاعرا) .. فهو (يكتب ليعيش) خاصة لو كان يحمل قلم الإرتزاق .. ولكن لو اضفنا عليه (شاعراً)، على أساس كل إنسان يلد وبين ضلوعه قلبُُ يشعر بالمشاعر، بفارق هناك من يجيد التعبير وهناك من يخيبه وكلاهما شاعران بالمشاعر .. فهنا الفرق واضح لأنه (يعيش ليكتب)، لا يكتب ليعيشJ
هل يختلف فكر الكاتب بالمؤثرات التي محيطة به ؟ من الطبيعي والمؤكد جدا .. والدليل على ذلك بعض المثقفين من دول شمال أفريقيا العربية كالجزائر وتونس والمغرب، الذين امضوا جزء من حياتهم الثقافية في بلدانهم والجزء الآخر في باريس .. وتركوا أفكارهم على شقين، الشق العربي العربي مختلف تماما عن الشق العربي المتفرنس.
الأوضاع التي حدثت وغيرت في امور كثيرة كيف يراها الكاتب احمد ابراهيم ؟ الأوضاع لم تكن جديدة، هى بمثابة بلورة داخل القدر المغلي المغلق، لم نكن نسمع الصوت بحكم صلابة الغطاء .. وما حصل من فتح الغطاء، علينا التعامل معه بحذر وحنكة، لانه لايمكن العودة للوراء .. تماماً كما حصل مع الاتحاد السوفييتي، لم تعد الشيوعة اللينينية تقنع الإشتراكيين عن طبخة سحرية وراء جدران كرملين قد توصلهم يوما إلى المريخ .. وخرج الروس الى في الميدان كالأسود، لكنها أسودٌ روّضت بالحليب، ثم اطعموها اللحوم الحمراء .. فهل من المعقول ان نمنع عنها اللحم من فجأة.؟ ترى ماذا يحصل ولو إفتراضيا.؟ والاجابة قد تأتيك من شوراع موسكو لو فرض على عنق الشعب الروس الطوق اللينيني من جديد.!
متى تتعطش للكتاب ؟ الكتاب ذاته نزل من رف "الظمأ" الى رف "العطش" .. واصحاب اللغة يدركون الفرق بين الكلمتين (الظمأ والعطش)، فقد أدرك الكتاب فقد بريقه مقابل الشاشات، وبالاخص العنكبوتيات منها تسرق أضواء المكتبات التقليدية .. وأنا عادة أتعطش لكتاب لايعطيني كُلّه .. مقابل ظمأي لكتاب لا أستطيع ان اعطيه كُلّي.
ماهي فلسفتك في الحياة الوضوح والإستقامة، نكران الذات، والتواضع لمن هو دونك جاهاً، ودون التعالي على من هو فوقك علماً.
مااسم الكتاب الذي اثر في فكرك ؟ رائعة الروائي الفرنسي فيكتور هيجو(Miserable) والذي تناول الثورة الفرنسية بسلاسة رومانسية رائعة وفصول مسرحية أروع.
المراة ماتصنيفك لاتجاهها الادبي ؟ أراها تفقز قفزات متتالية للقمم ما ان قرّرت إعتزال قارئة الفنجان او صاغية لها ... وقفراتها ليست في ميدان الادب وحسب، كالمرأة السعودية في الأولمبياد الاخيرة (مثلا) وهى نقلة نوعية في عهد خادم الحرمين حفظه الله، وقد نشرت لي القنصلية الثقافية للملكة العربية السعودية في دبي، مقالا تناولت فيه دور المرأة السعودية بإسهاب إلى وصولها للأولمبياد .. وقد ازودكم بنسخة منه لإعادة النشر في (التحلية) مع ذكر المصدر مجلة (الراصد الثقافي/الملحقية الثقافية السعودية في الامارات)
رؤيتك النقدية للمجتمع السعودي ؟ مجتمع يملك اكثر مما يُعرف عنه، والعيب في الطرفين 1. المتفرج الغريب العاجز عن فهم هذا المجتمع المتحفظ في الوهلة الأولى فيحكم عليه فيها.! 2. والمجتمع المحبّذ للإنغلاق اكثر مما هو للإنفتاح في هذا الزمن الرقمي الذي حول كوكب الأرض الى قرية صغيرة.!
ماذا يعني لك كلا من ؟ الحرية السلام الكتاب الصحافة الامل المال الشهرة كل من هذه المواصفات، تاتيك بجاذبية متجانسة في مرحلة من العمر، وقد تعود المواصفات ذاتها بفتور وبرود في مرحلة أخرى .. وهذا ما يؤكد ان الدين الإسلامي الحنيف هو اصدق الديانات تحت السماء، لانه اول دين حرّضنا على ان نعمل لدنيانا كأننا نعيش أبدا، وأن نعمل لآخرتنا كاننا نموت غدا.
هل راودتك فكرة الكتابة في مجال السيناريو التمثيلي ؟ لست بعيداً عنها، ولكنها هى البعيدة عنّي (لحدّ الآن).
ماذ باعتقادك نحتاج لنخرج فكر متوازن ؟ بالتقليل من الحواجز بين طبقات المجتمع من جانب، وبين الميول والهوايات في الطبقة الواحدة للمجتمع من جانب آخر
أمنية الكاتب احمد ابراهيم ؟ ان نؤهل الجيل الثقافي القادم للميدان الإنتاجي العملي العلمي العلماني، جنبا الى جنب الإنتاج الادبي، مثلا ابني المهندس او الدكتور لامانع ان يكون شاعراً واديباً .. بينما العكس غير صحيح، ان نصنعهم شعراء وادباء نتوقع منهم الاترزاق بأبيات من الشعر والمقالات، لازلت أشكر دكتوراً عربيا همس في اذني وانا في العشرين من عمري (يا إبني خل بالك ترى الشعر والادب ما رح يطلع لك خبز!)
ماهي اخر كلمة تود ان تقولها ؟ أعود الى كلمة (إقرأ) حيث بدأنا بها .. فلنقرأ بعضنا بعضاً، دون التغاضي عن قراءاتنا للآخرين، فأنهم قرأوا عنا اكثر مما نحن قرأنا عنهم، فعرفوا كيف يتعاملوا معنا .. ونحن لازلنا نجهل .. استشهد بسؤال طُرح على موشي دايان يوما (ياوزير! كيف طبقت على العرب خطة عسكرية منشورة ونجحت الخطة..؟!) فأجاب: (لاني كنت أعرف ان العرب لايقرأون.!) وشكرا لكم على هذا اللقاء الرائع .