حوار أجراه: شقران الرشيدي ** إن فتشنا في زوايا (خيمتك).. على ماذا سنعثر؟ ستجد عمود الخيمة .. وقلباً يستجدي الذكريات، ويستشرف الأمل. ** في أي الحالات تنزع ورقة الرزنامة، وتقول: هه .. إنها مجرد ورقة أخرى في أيامي؟ حينما تتشابه الأيام، ويكون الوقت لا قيمة له، إنها حالة السأم والعبث. ** بوصلتك في أي المسارات تؤشر حالياً؟ أنا في لندن حالياً ضمن مشاركة رسمية لأحد المعارض الدولية للكتاب .. وصدقني جميع بوصلات العالم تؤشر باتجاه الشمال أما بوصلتي فتؤشر ناحية الجنوب الحالم دوما، حيث البذرة الأولى لرومانسيتي. ** صحفي، وكاتب، وناشر.. هل تعدد المواهب يعني بالضرورة تعدد المتاعب لديك؟ أنا أبحر دوما في البحور السبعة..يغرق (النهُي) في شواطئها، ومجدافي لا يكفان عن ملامسة الموج ..في كل ذلك أواجه المتاعب. ** ما الفرق بين صحراء نجد حيث ولدت ونشأت، و بساتين القاهرة حيث تعيش وتعمل ؟ هو الفرق بين الجبل والنهر، ولكل منها جاذبيته، مثل نخلة التمر، وشجرة المانجو. ** هل مأساة الأمة العربية أن الآخرين يرسمون لها طريقها؟ نعم .. وإذا رسموا فإنهم لا يكملون اللوحة حتى النهاية. ** بحكم قربك من أحداثها ..كيف رأيت وجه مصر قبل وبعد ثورة الشباب؟ الصورة غائبة .. والملامح غير واضحة، ومحاطة بالغيوم الكثيفة.. وهذا أخطر ما فيها. ** المحتسبون في معرض الكتاب الدولي بالرياض الذي أقيم مؤخراً، وعلى رأسهم الشيخ يوسف الأحمد وجماعته على ماذا احتسبوا؟ احتسبوا عند ربنا .. ومنهم من أقسم بأيمانه أن بعض الناشرين في المعرض سيدخلون في النار وسيحشرون مع أبو جهل!. ** مؤخراً خطب الشيخ محمد العريفي وتجاوز في حديثه على بعض الكتاب والصحفيين واتهمهم باتهامات غريبة، والسؤال هو: لماذا أغلب حديث المنابر لا يتجاوز إقصاء الآخر، وذكر الابتلاء والمحن والمصائب التي تصيب المسلم، ويتناسون الحديث عن التسامح والتفاؤل والأمل والمستقبل الواعد وحب الأوطان .. أين الخلل؟ لأنهم لم يفهموا معاني التشريع والدين الصحيح، نحن أمة (قدرية) و(عقلانية) تحقيق القدر يتم بميزان العقل، فهل يفهمون ؟ أما الخلل فهو في المسجد ، المدرسة ، البيت والقنوات المفتوحة سداح متاح ..لكن الأمل موجود . ** بعض الملصقات التوعوية تتصدرها عبارة (الله يكسر رقبتك إذا كنت تدخن).. ماذا تفهم من هذه العبارة بمختلف أبعادها الفكرية؟ لأنها (توعوية) وهذه الكلمة خطأ في اللغة لا أعلم من أين جاءت وشاعت، لماذا لا يقولون (توعية) (نهضة) بدلاً من نهضوية. إنها عجمة اللسان. وهذه العبارة دخيلة على الدعوة بالحسنى كما في الإسلام. ** (ناشر سعودي بارز لكنه لا ينشر روايات السعوديين).. بماذا تدافع أمام هذه التهمة التي توجه لك؟ لا أنكرها لأن أغلب هذه (الروايات) أصبح لها ناشرون متخصصون يتاجرون في مثل هذه البذاءات وتعرية المجتمع دون وجه حق .. وأنا لست منهم. ** .. وهل يعني ذلك أن أغلب الروايات السعودية الجديدة فاقدة لسر الإبداع الحقيقي؟ بالطبع ليس كلها .. لكن الإصرار على كتابة الرواية دون موهبة، يحيل الكاتب إلى صانع أو مثل "الخراز" الذي يرتق الخروم في الجلد أو "الرفاء" في القماش. ** طيب .. وهذا المد الروائي السعودي أو ما يسمى (تسونامي الرواية السعودية) على ماذا رسا في النهاية؟ يا شقران ..تعرف رأيي القديم في هذا الموضوع..للأسف أصبح أغلب الكتاب، والأدباء، والمثقفين السعوديين من يكتب منهم وحتى من لا يعرف الكتابة أصبحوا روائيين، وكأن الرواية محجة للكتاب، وبالطبع منهم من لا يعرف أن يخط سطراً واحداً سواء شعراً أو نقداً أو أدباً لكن الطريق أصبح أمامهم مفتوحاً ليكونوا روائيين!.. هذا إن كانوا هم فعلاً من يكتب تلك الروايات، وأعتقد أنه يكتب لهم، وهؤلاء القوم مكشوفين على الآخر، وعموماً قليل من الروائيين والروائيات السعوديات متميزين. ** حسناً ..دعني أبوح لك بسري :" لا أجد في أغلب الروايات السعودية الجديدة إمتاع فني بقدر ما تثير إيحاءات جنسية" .. هل تشاطرني الرأي ؟ نعم ..وأكثر من ذلك أمور أخرى، سببها فقدان سر الإبداع الحقيقي. ** ذكرت في إحدى مقالاتك أن الاستماع إلى الموسيقى، وقراءة لوحات الإبداع التشكيلي محليا وعالميا وقراءة الفلسفة الإنسانية والإسلامية العربية ..كافية لتلاشي القمع الوحشي للإنسان.. أما تزال مقتنعاً بما قلته؟ نعم .. كان ذلك من أسرار تطور أوروبا.. ولا ننسى فالفلسفة أم العلوم، والفن إبداع الحياة. ** حالياً .. ما هي انعكاسات الثورات العربية المتلاحقة في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا.. على الثقافة العربية بشكل عام ؟ أخطر ما في الإنتاج الأدبي أو الثقافي أو الفني أنه ينساق بتلقائية، والأدب تحديداً سيهضم الأحداث بتأني ولن يستطيع الفكر أو يعكس الحقيقة إلا بعد مرور سنوات على وقوعه. ** بعد هذا المشوار الطويل في دروب الحياة .. هل ندمت على شيء معين؟ ندمت على أشياء كثيرة.. أخرها مد يد العون لمن لا يستحق الصدق من دعاة التغيير والغوغائية في الشارع. ** حملت القرارات الملكية الأخيرة الكثير من التفاؤل في المجتمع خاصةً المتعلقة بإنشاء هيئة مكافحة الفساد.. هل تتوقع لها دوراً كبيراً في الحفاظ على المال العام والتوجهات التنموية الطموحة؟ بكل تأكيد موفقة وسيكون لها دور كبير في هذا الشأن.. وكل محاولة للحفاظ على الحقوق والمكتسبات هي من الأمور الجيدة.. ونتائج مكافحة الفساد ستظهر بعد سنوات. ** ما هو الأمر الخطأ في الزمن الخطأ في المجتمع السعودي ؟ عدم محاولة تفهمنا لبعضنا، لا نجيد ثقافة الإصغاء، حتى في محيط الأسرة الصغيرة، الأبناء يصغون للإنترنت أكثر من إصغائهم لوالديهم ولأخواته الأكبر، وهذه كارثة، أثارها بدأت تبرز الآن وسيكون العلاج متأخرا بل ميئوسا منه. ** إلى أي مدى ساهم النشر الإلكتروني في تقليص دائرة الإقبال على الكتاب الورقي.. وهل زادت متاعب الناشرين منه؟ بلا شك ساهم في تقليص الإقبال على الكتاب الورقي، لكنه أيضاً ساهم في اختزال وانتشار المعرفة الجادة، وانعدام التوثيق والمصدرية. ** يرى أحد المفكرين الأمريكان أن الشباب في أي مجتمع كان عندما يرون أن ثرياً ما يحقق دخلاً مالياً يتجاوز أربعين مرة ما يمكن أن يحققه رجل الأعمال المجتهد طوال حياته يقل لديهم الانتماء وحب الوطن .. ما تعليقك على ما يقوله؟ أكثر من ذلك الطفيليون الذين حققوا أموالاً دون تعب. ** هل مشكلة بعض الموزعين السعوديين أصبح مثل مشكلة رأس الحربة القصير الذي لا يستطيع تسجيل هدف بالرأس لمصلحة فريقه ؟ وليه ما يسجلوا برجليهم بدلا من الرأس القصيرة .. الموزعين السعوديين لابد أن يكون لهم مؤسسة توزيع وطنية يساهم فيها الناشرون ويحاسبونها عبر جمعيتها العمومية . ** ستظل حواراتنا الوطنية قائمة على الجدل، لأن من يتصدى لها إما متشدد في الرأي أو صاحب (شطحات) .. أليس كذلك؟ كلنا كذلك .. لكن ألم تسأل نفسك أن "التيس " أبو القرون الذي " يغز" ينطح هو الآن أغلى ثمنا من أي " تيس " له " قرون " !. ** هل أصبحت الكتابة والشعر والفن العربي ضمن قائمة المنتجات الاستهلاكية العربية الرديئة؟ نعم ..وفي الزمن الرديء هناك كتابات وشعر وفن رديء يقفز إلى الصدارة .أصبحت العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة ، وهناك كتاب وشعراء وفنانون رهنوا أنفسهم في محابسهم مثل أبي علاء. ** رغم موهبتك وتجاربك لم نرى لك - حتى الآن- كتاباً واحداً.. هل الأمور لا تستحق كتاباتك أم أنك تسعد بتأمل ونشر كتب الآخرين؟ ليس بالضبط .. لدي مادة منشورة وغير منشورة تُعمّر أكثر من خمسين كتاباً، لكن العبرة أن تكتب كتاباً يبقى بعد زمانك. ولقد كتبت مجموعة من القصص ،لكنني لم أكن حالما،كان عقلي طاغيا، ففضلت أن تكون العلاقة بيني وبين القصة والرواية مثل العلاقة بين المرأة والرجل.. أتأمل جمالها وأسبر أغوارها النفسية وأعبر عما لا يقوله الإبداع بشكل مباشر، وتلك مهمة الناقد أي أنها علاقة "دياليلكتية" جدلية .. تثمر وتصنع الحياة. ** مؤخراً ُأعترفَ رسمياً بالصحافة الإلكترونية السعودية.. فضع لها عنواناً عريضاً؟ الصحافة الإلكترونية مسؤوليتها ومصداقيتها مطلقة فهي تكمل الرفاهية، ولها قاعدتها المتنامية. ** لماذا كل كاتب وكاتبة لدينا يصران أن يكونا (نجيب محفوظ) و (الطيب صالح) و(أحلام مستغانمي) ؟ ذات مرة قال لي نجيب محفوظ: إنني أكتب ولا أفكر إلا أن أجود ما أكتب، لا أفكر فيما سأكون، ولم أفكر في نيل جائزة. ** قال أحد الخبراء في الزراعة :(خلف كل لتر حليب تريلا موية)، ألهذه الدرجة كل شيء لدينا مكلف حتى الحليب؟ لو تكلمت الأبقار والجواميس، لفهمنا ذلك. ** يقول المفكر السعودي إبراهيم البليهي: (الشعوب العربية مثل ركاب القطار يتحركون في كل الاتجاهات داخله ، لكن حركتهم لا تؤثر في اتجاه القطار) ما رأيك؟ الشعوب العربية ما تزال مكدسة داخل قطار لا يتحرك أساساً إلا ما ندر. ** بصراحة .. ماذا قدمت (دار المريخ ) من هدايا للمشهد الثقافي السعودي ؟ قدمت أكثر من خمسمائة كتاب، حوالي مليون ونصف نسخة، طفت حول العالم العربي، وتلمست احتياجاته العلمية والمستقبلية، وقدمت 80 % منها ترجمات لنجاحات العالم في نزوعه نحو التطوير و المستقبل. ** إلى أي مدى يعتمد توزيع ونشر الكتب العربية على (الفهلوة) ؟ ولما النشر والتوزيع لوحده ؟ للأسف حياتنا العربية ومجرياتها تقوم على الفهلوة، وهذا منتهى الخطر . ** تضارب مواعيد معارض الكتاب العربية يحرم القارئ والناشر من العديد من الفرص .. كيف ننسق بينها؟ لماذا لا يكون في البلاد العربية جميعا معرض واحد ؟ كمعرض فرانكفورت الذي يمثل العالم منذ أكثر من خمسين عاما ؟ ** ما هو أو ل قراراتك.. لو كنت في صاحب قرار في المناصب التالية (رئيس تحرير صحيفة سعودية، وزير الثقافة والإعلام، وزير العمل)؟ حرام عليك ..أول قرار أن أكتب استقالتي، وقد فعلتها مرتين في واحدة من تلك المناصب . ** كيف نتعامل مع من يحاكم قائل الرأي بعيداً عن مناقشة الرأي نفسه ؟ المشكلة الأساسية، فيمن يسمح لمثل هذا أن يحاكم رأيا ..أتعرف أين أساس هذه المعضلة ؟ هو أننا حتى الآن لا ندرس الفلسفة ، كمادة مستقلة ،في أيامنا درسنا الفلسفة في المراحل الثانوية ..أما الآن فهي حرام في المراحل الجامعية .!!. ** لماذا ثمة مؤلفون لا ينالون ما يستحقونه من الشهرة ؟ لأنهم لا يعرفون صنعة " المداهنة " ولأنهم يحترمون أنفسهم . ** ماذا تقول لهؤلاء : -الرئيس السابق حسنى مبارك: سيظل في رأي كثير من المصريين إنساناً وطنياً ومحارباً من أجل بلده. - الرئيس زين العابدين بن علي: لا أعرف ماذا أقول عنه. - الزعيم الليبي معمر القذافي: مجاهد مع وضد الشعب الليبي . - قارئ سعودي : أحترمه ، وأقرص على أذنه.. إصحى . - قارئة سعودية : لا تقرئي مجلات الشخلعة، اقرئي المجلات التي ليس بها ألوان، تلك التي تعتمد على المادة الجادة والنص الممتع ابتعدي عن " اللاب توب " وضعي الكتاب الجاد بدلا منه . ** يعترف بعض الكتاب في المملكة أنهم يكتبون (أي كلام) لأن مساحات النشر المسموح بها ضاقت عليهم .. ما تعليقك؟ ربما .. وربما لأن المساحات الممنوحة لهم تقطع نفسهم " فيخذرفون " . ** .. ومن هو الكاتب الذي بدأ (يخذرف)؟ من يكتب لمجرد أنه يجب أن يكتب ويملأ المساحة. ** أما تزال صحافتنا تنشر لكنها في ذات الوقت لا تقول شيئاً؟ المشكلة ليست في الصحافة .. الصحافة مرآة مجتمعها. ** .. وما الذي تفتقده الصحافة السعودية ؟ التخصص والحرفية والتدريب. ** عندما تطالع أعمدة الكتاب ألا تراودك فكرة هدم المعبد على من فيه؟ ليس بالضرورة هدم المعبد .. لكنني أحياناً لا أدخل المعبد أساساً. ** ما هي الكتب التي إذا قرأتها تصيبك (الحكة والارتكاريا)؟ الكتب التي إذا قرأتها، أتذكر أنني قرأتها من قبل لمؤلفين آخرين. ** حين تتشابه الأيام، ويكون الوقت لا قيمة له .. ماذا تفعل؟ أتفرج على مباريات كرة القدم، أو المصارعة الحرّة. ** ما هو الموعد الذي تحرص دائماً على أن تخلفه ؟ الدعوات الرسمية . ** أي القضايا تؤلمك ؟ عدم الصدق في كل شيء، وعدم الإجادة في العمل، واستسهال الحياة. ** متى تصبر ؟ ومتى تغضب ؟ ومتى تفرح ؟ لا يمر يوم دون أن أمارس هذه المفروضات. ** ما هو طموحك؟ أن أعيش مأمولاً، مثل ما تمنى "تميم بن مقبل": ما أطيب العيش لو أن الفتى حجر ×× تنبو الكوارث عنه وهو مأمول. ** لمن تقول : الله يشغلك في نفسك؟ لمن طال أذاه الناس.