أكد عدد من المختصين الأمنيين، والقانونيين، أن تسريب الوثائق والقرارات الأمنية، السرية، عبر تقنيات وسائل الاتصال الحديثة، أو بأي طريقة أخرى، يعد خيانة للوطن، ينبغي محاسبة من يُسربها، مشيرين إلى ضرورة إصدار قانون لحماية خصوصية الجهات الأمنية، والجهات الأخرى، يتضمن عقوبات تضمن ردع كل من يُسرب المعلومات الأمنية. وجاء في تقرير للزميل "خالد الجعيد" - نشرته "الاقتصادية" اليوم - أن تقنية "الواتساب"، وعدد من وسائل التواصل الاجتماعي، حفلت خلال الأشهر الماضية، بتناقل قرارات أمنية، بعضها يحمل صفة "سري وعاجل" حيث تداولها مُستخدمو تلك التقنية، بشكل يحمل التعليق والمفاجأة، وربما التندر، الأمر الذي أتاح سهولة استغلال عدد من الأشخاص الشعارات الأصلية للجهة الأمنية الموجودة في القرار أو الوثيقة الأصلية الحقيقية، والتواقيع أيضاً، في إعداد بيانات، أو قرارات مزورة تخدم مصالحهم وأهواءهم، أو يهدفون من ورائها إلى إثارة قضية ما، والقيام بنشرها عبر وسائل الاتصال. نشر أم خيانة؟ وفي هذا الصدد، أوضح ل "الاقتصادية"، اللواء صالح بن فارس الزهراني، مستشار الأمير نايف - رحمه الله - عضو مجلس الشورى سابقاً، أن تسريب المعلومات الأمنية يعد من المواضيع الخطيرة جدا، مؤكداً أن من يقوم بهذا العمل يخون الوطن والأمانة، ويجب أن يجد العقاب الرادع، والأنظمة كفيلة بذلك عند تطبيقها، مشيراً إلى أن هذا التصرف يعتبر من أهم الأدوات لتفكيك المجتمعات وإثارة المشاكل في الأقطار، خاصة في الشرق الأوسط، ونوّه اللواء صالح إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها سهلت مثل هذه الأمور، وأضاف "هناك أطراف عدة استغلت هذه الوسائل، فبعضها يهدف إلى زعزعة الاستقرار وإثارة المشاكل في مجتمعات معينة، وبعضها محلية، تعد أداة لأطراف خارجية، وبعضها عن قصر نظر، في حين أن بعض تلك الأطراف يُسرب المعلومات عما تعتقد أنه مظالم معينة تعانيها، وبالتالي فإن تلك الأطراف تجدها ترتكب بعض الأعمال، التي تُلحق ضرراً كبيراً بالمصلحة العامة للوطن"، وتابع "هناك أشخاص يقومون بنشر قرارات، مكذوبة لأسباب شخصية ونفسية وسياسية وإجرامية، تجعلهم يخونون الوطن"، مبيناً أن من يُسرب بعض هذه الوثائق، هو مؤتمن عليها، لافتاً إلى أن تسريب القرارات يعد بلا شك خيانة، موضحاً أن البعض استغل شعارات الجهة في تزوير أي معلومات، منوهاً إلى أن المتلقين لتلك القرارات باعتبارهم في وسائل التواصل الاجتماعي، سيتلقون المعلومات كأمر مسلم به، فهم لا يعلمون أنها مكذوبة أو مدسوسة من أطراف خارجية معادية. كما أشار ل "الاقتصادية" اللواء خضر الزهراني مساعد مدير الأمن العام لشؤون الأمن سابقاً، إلى أن من يقوم بتسريب القرارات الأمنية، عبر تمريرها من الأجهزة، يعد مفرطاً في الأمانة، ومُخلاً بالمسؤولية، ويجب محاسبته، ومعاقبته، مؤكداً ضرورة القضاء على مثل تلك السلوكيات، فالمعلومات تعد أمانة، وتسريب أمور سرية تتبع للدولة يعتبر خيانة، لأن ترويج مثل تلك المعلومات من شأنه إلحاق الضرر بأمن الدولة وسلامتها وعقيدتها، ومُمكن تُستغل في أي أمر ضد قادتها، موضحاً أن هذا السلوك يجب معالجته. وبين اللواء الزهراني، أنه لا بد من بحث عن أسباب تسريب المعلومات الأمنية، منوهاً بضرورة التوعية بخطورة وأضرار تسريب مثل تلك القرارات السرية، على اقتصاديات وأمن الوطن، لافتاً إلى ضرورة قيام الشؤون العامة في الإدارات الحكومية، والعلماء بالتوجيه، لمسؤولية هذا الأمر، وتخويفهم بالله، وأن من يفرط في معلومات تلك الجهات فقد أخل بأمانته، وأضاف: "أي موظف في الدولة يبرز أمرا في تعميم يتسم بالسرية يخص إدارة معينة ثم يجعله للعامة تتندر عليه وتؤوله تأويلات فاسدة، يعتبر من عدم القيام بالمسؤولية الكاملة، والإهمال المتناهي، الذي لا ينم عن إحساس بالمواطنة، والأمانة الملقاة على عاتقه". كما أكد ل "الاقتصادية" اللواء مسفر الزحامي، مدير شرطة جدة سابقاً، أهمية قيام أي جهة أمنية أو غيرها، بالحرص على معلوماتها، وخطاباتها وملفاتها، وحفظها، مُشيراً إلى ضرورة الرقابة على الأشخاص الذين يقومون بطباعة القرارات الأمنية، والتعاميم، لكيلا يتم تسريب المعلومات، بحيث تكون دورة المعلومة معروفة لدى أشخاص محدودين، منوهاً إلى أن مصدر المعلومة هو الذي يحفظ نفسه، وفيما لو يعد تسريب المعلومات الأمنية خيانة، قال اللواء الزحامي "القضاء والأنظمة هما من يحدد الخيانة من عدمها لمن يسرب المعلومات، فبعضها قد تتسرب بحسن نية أو إهمال، لذا تنبغي المحاسبة". انتهاك الخصوصيات الوطنية من جهته، أكد ل "الاقتصادية" عبد الله الأحمدي، إخصائي أمن معلومات، أن تسريب القرارات الأمنية عبر تقنيات الاتصال يعد خيانة للعمل والمسؤولية، منوهاً إلى أن تسريب مثل هذه القرارات يعد تجاوزاً وانتهاكاً للخصوصية، مُشدداً على أن تكون هناك قوانين صارمة لمواجهة تلك السلوكيات، لكيلا تنتشر، وتصبح تلك المعلومات عرضة للبيع لأي جهة، مشيراً إلى أن "الواتساب" ربما يتم اختراقه في الأيام المقبلة، ك "الفايبر" على سبيل المثال، ولا سيما أنه غير مشفر، وبالتالي عند اختراقه، في ظل احتوائه على معلومات أمنية، حتماً سيُمكن أي جهة من الاستفادة من تلك المعلومات، خاصة إذا كانت تلك معلومات حساسة ومهمة، مبيناً أن الموظف الذي لديه بيانات هو في الأصل غير مصرح له نشرها، وأضاف "إن كان من الضرورة نقلها لزميل من أجل العمل وفقها، لا ينبغي إرسالها عبر برامج اتصالات عامة ك (الواتساب)، لأن مثل هذه البرامج غير مشفرة ومعرضة بالتالي للاختراق". وتابع الأحمدي "ينبغي إرسال أي بيانات ومعلومات بين الموظفين عن طريق شبكة العمل، ولا بد أن تكون مشفرة ومحفوظة من الاختراق، حتى لو تمت سرقتها لن يستطيع السارق قراءتها"، موضحاً أن الواجب على الجهة الأمنية أن تقوم برصد وتحقيق وتحليل للموضوع لمعرفة الشخص الذي يقف خلف تسريب تلك القرارات، منوهاً إلى ضرورة إصدار قانون خاص بالعقوبات على انتهاك الخصوصية، لافتاً إلى أن قوانين حماية الخصوصية في المملكة ينبغي تعديلها، سواء المتعلقة بالجهات المسؤولة أو الأفراد، مبيناً أهمية أن يتعرف عليها كل أفراد المجتمع، بحيث تكون كمناهج دراسية في كليات الحاسب والقانون، إضافة إلى ضمها ضمن مناهج المرحلة الثانوية، حيث تخصص كمواضيع خاصة ضمن المناهج، كي يتعرف الطلبة على الخصوصية، وكيفية المحافظة عليها، وما الإجراءات، والعقوبات المترتبة على انتهاك الخصوصية، ونشر ما يتعلق بالجهات الحكومية، والأفراد أيضاً، فضلاً عن مسؤولية الموظف تجاه كل ما يتعلق بعمله، فهنا تكون المسؤولية مضاعفة. القانون.. وعقوبات النشر أوضح ل "الاقتصادية" عبد العزيز الزامل، المحامي والمستشار القانوني، عدم جواز نشر أي وثيقة سرية أو إفشاء أي معلومة سرية حصل عليها الموظف أو عرفها بحكم وظيفته، مشيراً إلى أن إفشاء سرية تلك الوثائق يعد إضراراً بالأمن الوطني للدولة وسياستها، وحقوقها، وكذلك حقوق المواطنين، مؤكداً حظر إخراج الوثائق السرية من الجهات الحكومية، أو تبادلها مع الغير بأي وسيلة كانت، أو الاحتفاظ بها في غير الأماكن المخصصة لحفظها، كما تحظر طباعتها أو نسخها أو تصويرها خارج الجهات الحكومية، لافتاً إلى أن المادة الخامسة من نظام عقوبات نشر الوثائق والمعلومات السرية وإفشائها الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/35) وتاريخ 8 – 5 – 1432 ه، نصت على أن يعاقب من ينشر المعلومات السرية بالسجن مدة لا تزيد على عشرين سنة أو بغرامة لا تزيد على مليون ريال أو بهما معاً، مبيناً أن من يتداول ذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي ك "التويتر أو الفيسبوك أو الواتساب"، يعد شريكاً في ارتكاب الجريمة، لأنه ساعد على نشرها، وأضاف المحامي الزامل: "خطوات تتبع هذه الجريمة من خلال هيئة الاتصالات، وتقنية المعلومات، كجهة فنية لتقديم الدعم والمساندة للجهات الأمنية المختصة، خلال مراحل ضبط هذه الجرائم، والتحقيق فيها، وأثناء المحاكمة الجزائية، وكذلك من خلال تتبع القيود الإلكترونية من الجهة الإدارية، وغيرها من وسائل الإثبات، إضافة إلى إيقاع العقوبات الواردة في نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية". في حين أكد ل "الاقتصادية" الدكتور عمرو الأزيبي، المحامي والمستشار القانوني، أن هناك قيودا نظامية تسمى بند سرية المعلومات، ملزم بها، ويُحاسب عليها موظف القطاع العام والخاص، إضافة إلى المحاسبة، وفق النظام للموظف المتقاعد، الذي انتهت علاقته بالوظيفة، وتسبب في إفشاء الأسرار، مشيراً إلى أن أنظمة الخدمة المدنية أو العسكرية، نصت على ذلك، مبيناً أن تسريب القرارات الأمنية أو غيرها، يعد خللاً قد يوصف بالخيانة، التي تعد أحد أسباب التسريح من العمل، وأضاف الدكتور الأزيبي "للمنشأة الخاصة أو العامة، المطالبة بالتعويض، عند تعرضها لضرر بسبب تسريب المعلومات والوثائق، حيث يصل إلى حد التعزير بالسجن، بحسب ما يراه القاضي في المحكمة المختصة".