في كل عيد تغيب كل الآداب والفنون التي أنتجتها البشرية ولا يستحضر العربي إلا أبياتاً من قصيدة المتنبي الشهيرة التي أصبحت (عيدية) للتوجس من الفرح: عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ أمّا الأحِبّةُ فالبَيْداءُ دونَهُمُ فلَيتَ دونَكَ بِيداً دونَهَا بِيدُ سيختلق من يرددها صبيحة العيد ألف مبرر، أوضاع الأُمة وطريقها المجهول، قتل الأطفال، هواننا على المجتمع الدولي، وغيرها كثير من المبررات (الصحيحة) رغم أنها تختار التوقيت الخاطئ! لكن لن تسمع تبريراً واحداً يدعو للفرح، ربما لأن الفرح ارتبط بالذهن الجمعي باللهو، واللهو مفردة غير جيّدة حتى لو كانت من المُباح، رغم أن الدين الإسلامي لم يمتدح يوماً الحزن والاكتئاب، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال عن الاحتفاء بالعيد: أن يعلمَ الناسُ أن في دينِنا فُسحة. فيكفي مبرراً للفرح أن نفرح بالله ومعرفته ورسوله وكلامه، قال تعالى: (وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ) [الرعد: 36]. وقال تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58]. فنحن نفرح بما أتانا الله، وليس استبشاراً بالمصائب التي تحل بالآخرين، نعم نتألم وندعو لهم، لكن ذلك لا يعني أن نلغي شعيرة الفرح؛ إذ كان يحيى بن مُعاذ يقول: «إلهي! كيف أفرحُ وقد عصيتُك؟! وكيف لا أفرحُ وقد عرفتُك؟!». لماذا نتوجس من الفرح؟ أعتقد أن ذلك مرتبط بنفسية مجتمعنا الريفي في السابق الذي لم يكن ينشد الفرح بقدر ما يخشى أن تأتيه المصائب فجأة، فكان كبار السن عندما يضحكون يسارعون لختم ضحكتهم بجملة (الله يكفينا شرّ الضحك)، فبيئتهم الصارمة علّمتهم أن زمن الضحك قصير جداً، فلهذا عندما يضحكون فإنهم يشعرون أنهم سرقوا شيئاً من الحياة، ولهذا يشعرون بتأنيب ضمير من أقدم حقيقة على السرقة وينتظر العقاب! أنا هُنا لا أُقدم نفسي كداعية فرح وتفاؤل، رغم أن ذلك شيء جميل، أنا لدي كثير من الأسباب لأفرح، من أهم هذه الأسباب أنني سأصل الرحم، وأرى أبواب الجنّة في وجوه قبل أقدام الأمهات، وسأرى نور الإيمان في وجوه كبار السن، وسأسرق وقتاً بدون أن أشعر بتأنيب ضمير للعب مع الأطفال، والأهم أنني سأُقاطع نشرات الأخبار والمتوجسين.. وكل عام وأنتم بخير.. والوطن بسلام.