لم يعد بالإمكان إدراج الثورة السورية ضمن ثورات الربيع العربي، لأسباب كثيرة، فما حدث ويحدث في مدن وريف دمشق على مدى الأشهر العشرين الماضية يتجاوز في دمويته أكثر الثورات الدموية في التاريخ منذ الثورة الفرنسية وسقوط الباستيل. والواقع أن ما تشهده سوريا منذ مارس 2011 حتى الآن هو مذابح ومجازر يومية تدار من قبل ديكتاتور تجرد من أي قدر من المشاعر الإنسانية. وطبقًا لمركز توثيق الانتهاكات في سوريا لقي أكثر من 30 ألفا من السوريين مصرعهم، برصاص وقذائف قوات النظام، وعصابات الشبيحة، وثمة ضعف ذلك العدد من الجرحى والمعوقين، وأكثر من الضعف من المعتقلين والمفقودين، وأضعاف هذا العدد من المشردين، إضافة إلى مئات الآلاف من اللاجئين. لابد وأن تصدمنا الأرقام عندما نعلم -من واقع إحصاءات مركز دراسات الثورة السورية- أن عدد الشهداء السوريين في كل شهر من أشهر الثورة السورية ال19 الماضية بلغ حوالى 1376، أي بمعدل 45 شهيدًا في اليوم. لكن يزداد وقع الصدمة بالقتل الجماعي والعشوائي، من خلال مجازر النظام التي أصبحت ظاهرة مميزة لجرائم الإبادة الجماعية التي يقترفها بشار الأسد في حق شعبه، والتي كان أبشعها مجزرة حمص في فبراير الماضي التي راح ضحيتها أكثر من 300 شخص، ومجزرتي التريمسة وداريا في يوليو الماضي اللتين تجاوز عدد القتلى في كل منهما أكثر من 200 شخص، إلى جانب العديد من المجازر الأخرى التي شملت العديد من المدن والأرياف السورية. بيد أن ما حدث اليومين الماضيين من قصف "الطائرات السورية الحربية من طراز ميج 23 بالقنابل ضواحي "حرستا شرقي منطقة الغوطة، وقصف بلدتين في محافظة إدلب وسقوط عدد كبير من الضحايا الأبرياء يعيد إلى الذاكرة مشاهد لوحة جورنيكا التي رسمها الفنان الإسباني الكبير بيكاسو عندما وثق بريشته التي غمسها بالأبيض والأسود جريمة بشعة لن ينساها العالم قط، فهاهو ديكتاتور سوريا الطاغية بشار الأسد يستعين بأصدقائه الروس وطائراتهم الحربية لتدمير بلاده وقمع شعبه على نحو ما فعل الديكتاتور فرانكو عندما استعان بالنازي لتحقيق الهدف نفسه. الفارق الوحيد أن اللوحة السورية تلونت بلون الدم فقط فيما يواصل العالم صمته المعيب.