اندلعت في الأسبوع قبل الماضي مظاهرات في عدة مدن سودانية، وحدثت مواجهات عنيفة بين قوات الأمن والمتظاهرين الذين طالبوا بحل مشكلة الغلاء في البلاد، ورفعوا شعارات تقول: «الحرية.. الحرية..» و«الشعب يريد إسقاط النظام». حيث قُتل ما يقارب الخمسين شخصاً -حسب إحصائيات أولية- وأصيبت العاصمة «الخرطوم» بشلل تام، كما تم قطع الاتصالات الخاصة بالإنترنت وأوقفت الدراسة. وكان الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي «حسن الترابي» قد أعلن قبل فترة أن «الترتيبات تمضي على قدم وساق لمرحلة ما بعد إسقاط النظام الحاكم في السودان». كما أعلنت الجبهة الثورية -التي تناصب الحكومة العداء وتتقاتل مع جيش النظام في «دارفور» وجنوب كردفان والنيل الأزرق- دعمها وتأييدها الكامل للثورة التي انطلقت في «الخرطوم». كما دعت الجبهة أفراد الشرطة والقوات النظامية إلى عصيان أوامر النظام وعدم إطلاق الرصاص الحي وقتل إخوانهم. كما حذرت الجبهة من أنها «لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه دموية النظام حال تمادى في قتل المتظاهرين». وكان حزب المؤتمر الوطني الحاكم قد اتهم عناصر من الجبهة الثورية بالتسلل إلى الولايات للقيام بعمليات تخريب، واستشهد بقيام بعض المحتجين بإضرام النيران في مكتب تابع لحزب المؤتمر الوطني في «أم درمان»، كما تم رشق رجال الشرطة بالحجارة، وردت عناصر الشرطة بإطلاق الغاز المسيل للدموع. فهل يعني ذلك بداية وصول «الربيع العربي» إلى السودان!؟ الإشكالية أن السودان يعاني كثيراً من عدم قدرته على الوصول إلى مصاف الدولة الناجحة أو التي فوق خط الفشل!؟ بل إن النظام سمح بتراكم المشكلات وتعدد النزاعات، كان من نتائجها انفصال الجنوب الغني، وحدوث مواجهات مسلحة بين جنوبيين وقوات الأمن الشمالية بعد أزمة «إبيي» العام الماضي، ومنع السودان تصدير بترول «الجنوب» عبر أراضيه حيث موانئ التصدير. كما كان من نتائج ذلك المواجهات التي لم تتوقف بين قوات الأمن والجيش وبين الحركات الثورية، والمواقف من الأحزاب الأخرى، الأمر الذي يهدد بتمزيق السودان، في الوقت الذي صدر فيه حكم المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس «عمر البشير»، الذي تتهمه المحكمة بارتكاب جرائم حرب في «دارفور» ضد شعبه. وتأتي تلك المظاهرات استمراراً لمظاهرات احتجاجية انطلقت منذ مايو الماضي، صرح خلالها زعيم حزب الأمة القومي «الصادق المهدي»» بأن السودان لم يعد بالإمكان حُكمهُ من «الخرطوم»»؛ وشدد على أن «مشكلة السودان لن تحل في ظل النظام الحالي». ولقد سبب قرار الحكومة السودانية بتطبيق زيادة على أسعار المحروقات والسلع الأساسية في خروج المتظاهرين في موجات غضب رافضين ذلك القرار. وكان الرئيس السوداني قد خاطب جلسة مجلس الشورى القومي لحزب المؤتمر الحاكم داعياً كل أهل السودان إلى «نبذ العنف والاحتراب والتمسك بالسلام وإزالة الخلافات».. كما شدد على أن «أية تحركات معادية سيتم الرد عليها بالقوة»!. وهذا هو منطق «العسكر» في كثير من بلدان العالم الثالث. يرى بعض المراقبين أن الأحداث في السودان لم تنل حظها اللازم من التغطيات الإعلامية، كما حدث بالنسبة لتونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا!. وأن الدول الغربية والولاياتالمتحدة تغافلت عما يجري في السودان؛ خصوصاً أن الدولة لم تعد قادرة على السيطرة على كامل التراب الوطني، وأن الحالة الأمنية حالت دون وصول بعثات المنظمات الدولية للإغاثة، ما سبب وقف نقل الأغذية إلى وسط «دارفور» لانعدام الأمن في الطرقات، وتعليق حركة الطيران في بعض المناطق. وتطرق تقرير للأمم المتحدة إلى عمليات خطف تواجه العاملين على الإغاثة من الفرق الدولية، وأن 47 شخصاً من العمال قد قتلوا في «دارفور» منذ عام 2003، إضافة إلى اختطاف 71 شخصاً وإصابة 139 شخصاً. وعزا التقرير الدولي الارتفاعَ الكبير في أسعار الحبوب منذ عام 2012 إلى ارتفاع معدلات التضخم ومواجهة احتياطيات محدودة من العملات الأجنبية وانخفاض قيمة الجنيه السوداني. وقد أشار تقرير التنمية البشرية الدولي لعام 2012 إلى حلول السودان في ذيل القائمة بواقع «171» نقطة، كما أشار تقرير المنظمة العالمية للشفافية إلى أن السودان حل في ذيل القائمة لمستويات الفساد في العالم بواقع «8.173» نقطة وبعده الصومال «8» نقاط. كما أعلنت منظمة العفو الدولية أن السلطات السودانية أغلقت 15 صحيفة، وصادرت أكثر من 40 ألف نسخة، وأوقفت ثمانية صحفيين، ومنعت اثنين من الكتابة. كما أن السلطات تتعقب ناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي. نحن لا نعلم بأي رئيس عربي سوف «يقتدي» الرئيس «البشير» إذا ما تواصلت المظاهرات المطالبة بتغيير النظام؟. وهل سيأخذ السودان الأنموذج التونسي السهل المُمتنع «فهمتكم»!؟ أم سيأخذ الأنموذج الليبي العنيف؟ أم الأنموذج المصري المُعقد؟ أم الأنموذج اليمني -مبادرة من أجل حفظ ماء الوجه؟- أم سيدخل السودان مرحلة متطورة من العنف والعنف المضاد ليقترب من الأنموذج السوري؟ وهذا ما سوف يزيد من معاناة إخواننا في السودان ويعرقل جهودهم في إقامة الدولة التي تلبي احتياجات الشعب. وإذا كان العالم كله يدرك بالوقائع والأرقام عدمَ قدرة النظام في السودان عن تلبية احتياجات الشعب، ناهيك عن الأوضاع المتفجرة فيه، ورغبة السودانيين في التغيير، فلماذا كل هذا الصمت والسكوت؟ وأين «الناتو»؟ وأين المراسلون؟ وأين الولايات المتحدة؟