تتزايد الكلمات فتمتلئ الصفحات الورقية منها والإلكترونية، زخما وتضخما، تتجادل من خلالها الأفكار بين مؤيد ومعارض كما تتضارب الكلمات أحيانا بالشتم والهمز واللمز فتجعل الأفراد يخوضون صراعات فكرية ولفظية وتشاؤمية، ولتبتعد القضايا الجوهرية، وندخل في صراعات لا طائل منها إلا صداع الرأس. نلاحظ ما يحدث في تويتر هذه الفترة من تراشق بالكلمات والهجوم المعلن والمبطن، تفضح من خلالها نفوس وأفكار كاتبيها، وما نعانيه من حالة خانقة وضياع بين هذا وذاك. شيء طبيعي أن يكون هناك اختلاف وتنوع بين الأقلام الجادة، والهادفة، والمازحة، ولكن القلق ينبعث عندما لا نستطيع تحمل بعضنا ومراعاة الاختلافات الفكرية والمنهجية والثقافية والاجتماعية والبيئية، هنا تقع مشكلة عميقة، وهذا للأسف ما وجد في توتير وغيرة من مواقع التواصل الاجتماعي، عندما لا تجد ما تستفيد منه أو تلاحظ غياب الاحترام بين (المتوترين)، أو ما تستمتع إليه ويمنحك المعرفة، فلا فائدة من كل تلك الكلمات والحوارات. والمحزن أنها تزيد الخصام والفرقة والحقد والسلبية على مستوى الأفراد ومن ثم المجتمع المتابع لتلك المواقع التواصلية. الوسائل الإعلامية المتاحة ليست فقط للتنفيس، أو للشهرة، هي أمانة وأخلاق تؤثر على كل من يقرأها. إن كانت سلبية ستدخل كثيرا من الأفراد دائرة التذبذب والصراع والإحباط والسلبية، سيصبح التركيز على كل ما هو سيء وسلبي، وكأننا نجلس للبكاء والتباكي. الأفراد يحتاجون إلى التصالح مع الذات أولا، ثم التصالح مع الآخر، وأن اختلفوا في الفكر، والأسلوب، والطريقة. نحن في أمس الحاجة إلى الحوار الإيجابي والموزون، وتنقية النفس من الأنا، والسيطرة، والعنجهية، نحن لسنا بحاجة إلى معرفة الأفضل أو الأقوى، علينا أن نراعي الإنصات والاستماع، وحسن الظن، واحترام الحرية الشخصية طالما لا تضر بالآخر، والحذر من ردة الفعل السريعة والغاضبة. منذ أن بدأت الخليقة والصراع موجود، والتناقضات موجودة أيضاً، وعلى الأفراد أن يتعلموا ويتكيفوا مع كل جديد ومخالف بطريقة حضارية وراقية. حان الوقت للتوقف قليلا والتأمل الذاتي في ماذا نريد، وكيف نعمل على تطوير الذات، وكيف نتعامل مع الآخر، وأري أن من حق الجميع التعبير عما يشعر، وعما يرغب كما أننا بحاجة لتنمية العقول لا الأبدان فقط، والعيش مع بعض بسلام واحترام. بعض الحضارات تقدمت وأبدعت عندما اجتمعت على كلمة واحدة وهي (حب الوطن) حب النزاهة والوحدة لا التفرقة، هي قضية الوجود، كما أننا بحاجة لمجتمع واع ناضج متفاهم ومتسامح، وهذا يتطلب كثيرا من الوعي والمنطق والعقلانية في الحوار، لا إلى تجيش العواطف والمشاعر بصورة سيئة حاقدة وغاضبة لتزرع الفتن والضغينة والفرقة. نعم هناك حرية للكلمة، لكن لتكن صادقة نراعي من خلالها الأمانة والمسؤولية أمام الله وأمام أنفسنا، ولتكن كلمة بناءة لا هدامة، نحن في مرحلة حساسة لا نحتاج إلى المزايدة ، كما نحتاج لحب الوطن بعيدا عن الأهواء والمصالح.