هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    «الزكاة والضريبة والجمارك» تُحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة كبتاجون في منفذ الحديثة    باص الحرفي يحط في جازان ويشعل ليالي الشتاء    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    الكشافة تعقد دراسة لمساعدي مفوضي تنمية المراحل    المنتخب السعودي من دون لاعبو الهلال في بطولة الكونكاكاف    خطيب المسجد الحرام: ما نجده في وسائل التواصل الاجتماعي مِمَّا يُفسد العلاقات ويقطع حِبَال الوُدِّ    الذهب يتجه نحو أفضل أسبوع في عام مع تصاعد الصراع الروسي الأوكراني    الملافظ سعد والسعادة كرم    استنهاض العزم والايجابية    المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    لبنان يغرق في «الحفرة».. والدمار بمليارات الدولارات    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    ترمب يستعيد المفهوم الدبلوماسي القديم «السلام من خلال القوة»    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    إطلالة على الزمن القديم    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    أرصدة مشبوهة !    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    فعل لا رد فعل    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    ندوة "حماية حقوق الطفل" تحت رعاية أمير الجوف    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    «المسيار» والوجبات السريعة    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصالحة وطنية .. الضمير الغائب ؟

أكد علماء دين أن الإسلام أول دين رسّخ لمنهج حكيم للمصالحة الوطنية يقوم على مبدأ «تعالوا إلى كلمة سواء» وأن الإسلام بهذا المبدأ يستوعب جميع المواطنين في دياره ، دون إهدار لحقوق الأقليات ، وذلك انطلاقاً من دعوته الى الوحدة الإنسانية الشاملة ليعيش الناس في تفاهم و مودة و تعاون و أمن و استقرار.
ورداً على سؤال طرحته «اليوم» :كيف يرسّخ الإسلام المصالحة الوطنية سواء نحو الأقليات أو المخالفين فكرياً؟ ، اتفق العلماء على أن الاسلام جعل الحفاظ على الوحدة الوطنية وإنهاء جميع مظاهر الفرقة والخلاف بين أبناء الوطن الواحد فريضة شرعية.
الوحدة الوطنية
بداية يقول الشيخ يوسف البدرى عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة:إن الإسلام دعا إلى التعاون والائتلاف ونهى عن الفرقة والاختلاف بين أبناء الوطن الواحد، لقول الله تعالى :»ياأيها الذين آمنوا ادخلوا فى السلم كافة» وبهذا الأمر الإلهى لابد أن يتصالح ويتسالم أهل الوطن الواحد مهما اختلفت عقائدهم ومذاهبهم ومشاربهم وتوجهاتهم السياسية. وأضاف : إن الإسلام أول دين سماوي رسّخ لمفهوم المصالحة الوطنية وفق منهج حكيم يقوم على مبدأ «تعالوا إلى كلمة سواء» وأن الإسلام بهذا المبدأ يستوعب جميع المواطنين في دياره ، دون إهدار لحقوق الأقليات ، أو أن يتيح الفرصة ليعلو فريق على حساب فريق آخر وذلك انطلاقاً من دعوته إلى الوحدة الإنسانية الشاملة ليعيش الناس في تفاهم و مودة و تعاون و أمن و استقرار.
ان هذا الاختلاف والتنوع يعطى للحياة مظهر التجديد، لكن الاختلاف يصير ضارا ومدمرا حين يكون الباعث عليه أسبابا ذاتية لا تعود إلى طبيعة الدلالات المرشدة إلى الحق ولا إلى الاعتصام بذلك الحق، وهذا هو الاختلاف الذي شقيت به الأمة، والمسلمون، وهم الأمة التي شرع الله سبحانه وتعالى لها التوحد ونبذ الفرقة،
صحيفة المدينة
ويواصل الشيخ البدرى حديثه قائلاً: لقد كان الاتجاه الإسلامي منذ عهد النبوة سباقاً لإرساء مبدأ المصالحة الوطنية وبناء الدولة على أساس المواطنة الحقيقية ، ويتمثل هذا السبق في الوثيقة المشهورة تاريخياً ب»صحيفة المدينة» التي أبرمها النبي صلي الله عليه وسلم بعد هجرته إلى المدينة المنورة
ففي السنة الأولى للهجرة ، جمع الرسول صلى الله عليه وسلم كافة القبائل والبطون الموجودة في المدينة من يهود ونصارى ووثنيين ، وعاش معهم جميعاً في حوارات أنتجت أول عقد اجتماعي حقيقي ، وأول دستور في تاريخ البشرية ، هو : صحيفة المدينة، لذا فإن الصحيفة أسست الدولة على اعتبار سياسي وليس دينيا فحسب ، وهذه من صور عبقرية الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي استفاد في تأسيس الدولة من كافة من يوجدون على إقليمها مع إعطائهم كافة الحقوق والتزامهم بكافة الواجبات .
فريضة شرعية
ومن جانبه يقول الدكتور حسن الشافعى كبير مستشارى شيخ الأزهر ورئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة : إن الاسلام أول دين سماوى وضع أساساً للمصالحة الوطنية مع الأقليات سواء الدينية أو السياسية أو المخالفين فكرياً، حيث أمر الاسلام بالحوار وتطبيق القاعدة الذهبية الشهيرة: « نجتمع على ما تفقنا عليه وليعذر بعضنا بعضنا فيما اختلفنا فيه». وأضاف قائلا: إن الإسلام اعتبر الوحدة الوطنية وتقويتها فريضة شرعية وضرورة حياتية، فلا مناص أن يعمل كل إنسان لخير بلده، وأن يتفانى في خدمته، وأن يقدّم أكثر ما يستطيع من الخير للأمّة التي يعيش فيها، وأن يقوم في ذلك الأقرب فالأقرب رحماً وجواراً، ومن هنا كان المسلم أعمق الناس وطنية وأعظمهم نفعاً لمواطنيه، لأنّ ذلك مفروض عليه من ربّ العالمين. ومن جانبه يقول الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الاسلامية : تحتاج الأمة دائما الى تعزيز قوتها ووحدتها الوطنية وذلك لن يتأتى إلا بتحقيق المصالحة والتوافق إذا نشب أى خلاف فى الرأى والتوجه مؤكدا أن الاسلام يدعو دائما الى اعلاء المصلحة العليا للوطن وتغليب المصلحة العامة على المصالح الفردية أو الذاتية والاحتكام الى الحوار المجتمعى الذى يهدف بالدرجة الأولى إلى الوحدة الوطنية ورصّ الصفوف لمواجهة التحديات، فحاجتنا اليوم ماسة إلى ضرورة تحديد المبادئ والأصول التي عليها مدار الاجتماع ووحدة الكلمة، وأن نبحث عن نقاط الاتفاق، وأن يكون عملنا من أجل المصلحة العامة التي هي هدف الجميع، وأن نفكر أولا بأن في الاتحاد قوة وفي التفرق ضعف وزوال .


احترام التعددية
واختتم قائلا: إن الإسلام سبق بقواعد راسخة في تأسيس مجتمع يقوم على التعددية الدينية والثقافية وقبول الآخر ، أيضا لابد من تجميع القوى الوطنية والقومية كلها، بغض النظر عن اختلافاتها العقائدية والمذهبية، فإن لم يجمعنا الدين تجمعنا (الدار) فالفقه الإسلامي يعتبر غير المسلمين في أوطاننا من (أهل الدار) أي أهل دار الإسلام أي ما يعرف بالمواطنة وبالتالى فإن الفهم السليم لجوهر الدين ، هو السياج الواقي للوحدة الوطنية ، فالمسلم الحقيقى يؤمن بأن الله قد خلق الناس جميعا من نفس واحدة ، وان العباد كلهم إخوة ، وان من سنن الله التي لا تختلف تعدد الشرائع و المناهج ، ولذلك فإن اختلاف الناس في الرأى و المعتقد أمر حتمي .
نبذ الفرقة والاختلاف
ويقول الدكتور أسامة السيد عبد السميع أستاذ الفقه المقارن فى كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بالقاهرة: الائتلاف والاختلاف هما قوام كل مجتمع بما في ذلك المجتمع الإسلامي فالمجتمع كالنسيج الذي يكتسب تماسكه وقوته من تلاقي اللحمة بالسدي ومن تقابل الخطوط العرضية بالخطوط الطولية. فإن مشيئة الله سبحانه وتعالى قد اقتضت أن يخلق الناس مختلفين متباينين في قدراتهم الفكرية وفى أمزجتهم وأذواقهم، فتختلف بذلك أنظارهم وفهومهم لقضايا الدين والدنيا. وأضاف ان هذا الاختلاف والتنوع يعطى للحياة مظهر التجديد، لكن الاختلاف يصير ضارا ومدمرا حين يكون الباعث عليه أسبابا ذاتية لا تعود إلى طبيعة الدلالات المرشدة إلى الحق ولا إلى الاعتصام بذلك الحق، وهذا هو الاختلاف الذي شقيت به الأمة، والمسلمون، وهم الأمة التي شرع الله سبحانه وتعالى لها التوحد ونبذ الفرقة، هم أولى الناس لان يتقنوا ويجيدوا فن الاتفاق والاختلاف ويعرفوا المجالات التي يتعين أن يكونوا فيها نمطا واحدا لا موضع فيه للاختلاف والمجالات التي يجوز لهم أن يختلفوا فيها اختلافا يغنى رصيدهم المعرفي، ويعطى إمكانات شتى وحلولا كثيرة للمعضلات التي تواجههم، وبالتالي يكون الاختلاف والتنوع سبيلاً للائتلاف والوحدة وهدفا نحو التقدم في الأمة الإسلامية، ويتابع الدكتور أسامة حديثه قائلا: ومن هنا فإن التسليم بالائتلاف والاختلاف في المجتمع والالتزام بآدابه هو الضمان لاحتواء أى خلاف فى القضايا المصيرية للوطن . واختتم قائلا: إن صحيفة المدينة : كانت أول دستور عرفه العالم كله، رسخ لمفهوم المصالحة الوطنية الشاملة لأهل المدينة جميعا ، مسلمين وغير مسلمين ، لم يترك صغيرة ولا كبيرة تؤدى إلى الألفة والمحبة والتعاون إلا نص عليها وقررها وبهذا يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد أقام وحدة وطنية داخل المدينة يعمل الجميع فى إطارها ، ويلتزمون بكل بنودها ، متمتعين بعدل الإسلام و سماحته ، فكان اعتراف هذه الصحيفة بجماعة المختلفين ، ثم وصفهم بالأمة الواحدة ، يؤكد الألفة بين الجماعات على أرض واحدة ، هى حجر الأساس فى بناء الوطن ، ومصباح ينير الطريق إلى مستقبل قوى عزيز لهذا الوطن .


الحوار الوطني وضع أقدامنا على الخطوة الأولى في التفاعل والتواصل مع الآخر
بضاعتنا ردت إلينا
في البداية أكد المهندس أيمن الجندي مدير عام الاتحاد العربي للتنمية البشرية، أن (المصالحة الوطنية ) كمفهوم قد برزت إلى الوجود وظهرت على سطح الحياة العالمية قبل أن يطوى القرن العشرون أوراقه بما يزيد عن العقدين من الزمن، والتي واكبتها حركة تحول ديموقراطي في عدد من دول العالم التي بدأت بما أطلق عليه ثورة القرنفل في البرتغال عام 1974.
وأوضح الجندي أن المصالحة الوطنية تنطلق من مرتكزات أساسية لابد منها سواء كانت ذات طبيعة سياسية أو ثقافية أو ما دونهما، فلا يمكن الحديث عن مصالحة وطنية بدون مناخ سياسي تشرق فيه شمس الانفتاح والحوار والحرية والتسامح، فضلاً عن إشاعة ثقافة الاعتراف بالأخطاء ، والاعتذار، هذا مع تحلي أركان النظام والمجتمع بسمات الوفاء بالالتزامات، وربط القول بالعمل، والاستفادة من الأخطاء وعدم تكرارها، وهنا تبرز قيمة الاهتمام بالتنمية البشرية، وضرورة أن تأخذ حظها في أجندة المسؤولين، وصانعي القرار، مشيراً إلى أن شجرة المصالحة الوطنية هي نتاج بيئة تعترف بحق الاختلاف، واتساع مظلة الدولة لاحتضان الجميع، بعيداً عن تأجيج للصراعات أو تعميق وتغذية نار الفتنة، بشكل يؤدي في النهاية إلى ضعف المجتمع وتفككه.
وأضاف: إننا لو نظرنا إلى فلسفة المملكة مع مفهوم المصالحة، فإننا سنكتشف من الوهلة الأولى حنكة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله - حينما طرح مشروع الحوار الوطني في المملكة، والذي كان أحد المبادرات الرائعة جسدت رؤية ملك محنك، وفارس يجيد فن حل العقدة قبل أن تتعقد، فينتزع فتيل الألغام قبل أن تنفجر سواء في الحقول الثقافية أو الاجتماعية أو غير ذلك، حتى أضحت قضية الحوار الوطني حديث المدينة، ووجدت من الدعم والرعاية الملكية ما جعلها تأخذ حظها في الانتشار عبر وسائل الإعلام.
كسرت حاجز الصمت
من جانبه أكد الوزير الكويتي المفوض بقطاع الإعلام بالجامعة العربية، أن مشروع مبادرة الحوار الوطني التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، قد كسرت حاجز الصمت، وساهمت كثيراً في فتح عديد من الملفات التي كانت تشغل ذهن المواطن داخل المملكة، ووضع الأطر اللازمة والرؤى المتكاملة لإيجاد الحلول الحاسمة لها، عبر الجلوس على طاولة حوار لتدارس القضايا ووضع برنامج وسلم أولويات لما هو أكثر إلحاحاً لمعالجته، وقد ساهم ذلك في إزالة أي شوائب احتقان قد تطفو على سطح المجتمع السعودي، لتظل دائماً سيادة مبدأ المصالحة الوطنية والاجتماعية بين مكوناته بمختلف ثقافاتهم وقناعاتهم الفكرية، واحدة من ملامحه وسماته الأصيلة.
وقال العوضي: إن الصدق مع الذات كان جوهر حراك مبادرة الحوار في المملكة، إذ لم تكن الدعوة من قبيل تجميل وجه النظام الحاكم، ولا هي شعارات تبحث عن الأضواء الإعلامية، ولا أبواق الدعاية وحملة المباخر، ولكنها كانت دعوة صدق وبذرة خير، لذا أصبحت كثمرة أنبتت بيئة متماسكة البنيان، فضلاً عن التناغم بين مكونات نسيجه الاجتماعي، موضحاً أنه على خلاف ما تفعله بعض الأنظمة من هنا وهناك التي تطلق مبادرات للحوار، ولكن تحصرها أو تشغلها بالسير في طريق مناقشة قضايا غير فكرية وغير خلافية، ولا تشهد تنوعاً في الآراء ولا في التوجهات، مشيراً إلى أن مراكز الحوار في المملكة قد استوعبت دورها الحقيقي ومهمتها الأصلية، التي لا تكمن في مجرد الحوار بين مختلف التوجهات من أجل إقناع طرف برأي الطرف الآخر، بل وأنها لاتقوم على فكرة التصحيح أو التصويب، بقدر ما أنها كانت تمثل أبرز وأضخم تدريب شهده المجتمع السعودي على القبول والإيمان بالتنوع والاختلاف والتعدد .
وأضاف: إن نجاح الحوار الوطني داخل المملكة، انطلق من مفردات لغة التفاهم في مكونات منظومة الحوار ذاتها، حيث كانت هناك خارطة واضحة بنقاط الإجماع والاتفاق وتلك الخاصة بالاختلاف، مما جعل عجلة الحوار تدور دون أن تتعثر خطواتها، أو تسير فوق مناطق ألغام بدون لائحة استرشادية. فالجميع كتب بأحاسيسه ومشاعره وثيقة حرصه على ثوابت الأمة والدين، وأمن واستقرار الوطن وتحصين مستقبله وتنميته، وكل تلك العوامل المشتركة ستظل تمثل الرابط الأبرز بين أبناء المملكة، الذين هم في رباط إلى يوم الدين ، ينطلقون في ذلك من ثقافتهم الإسلامية، الاجتماعية .
قنوات حوار متحضرة
من جانبها أكدت الدكتورة ملحة العبدالله الأديبة والناقدة وكاتبة المسرح، أن ميلاد بزوغ فجر الحوار الوطني في المملكة، جاء منذ اللحظة التي بدأت تستشعر فيها المملكة أن رياح تحديات بدأت تهب على أجواء المنطقة عامة والحزام الخليجي والمملكة على وجه الخصوص لمكانتها على الصعيدين الإسلامي والعربي من جانب والدولي من جانب آخر، وكبقعة مقدسة تتجه إليها أنظار العالم الإسلامي، لذا كانت هدفاً مباشراً لسهام المتربصين بعقيدتها وأمنها ووحدتها الوطنية.
وقالت: إن مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني بالرياض يقوم بدور رائد في توفير القنوات لإبداء الآراء والتعبير عن الأفكار بطريقة متحضرة وبإسلوب راقي وإحساس بالمسؤولية، يساهم في التصدي لدعاة التعصب والغلو والتطرف، وكل ذلك من أجل إيجاد المناخ النقي الذي تنطلق منه المواقف الحكيمة والآراء المستنيرة التي ترفض أن تشرب من كأس الفكر الإرهابي .
وأضافت الدكتور ملحة عبدلله بقولها: إنه مازالت تذكر كلمات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، وهو يعلن عن مركز للحوار الوطني عندما كان ولياً للعهد، حيث أكد وبصراحة شديدة أن الأمن والأمان والرخاء الذي تنعم به المملكة ويتنعم به الشعب السعودي وكل من يعيش على ترابها الطاهر المقدس، ماكان له أن يتحقق إلا بفضل العقيدة الإسلامية، بجانب القناعة الراسخة بقيمة التمسك بوحدة الوطن، والإيمان بالمساواة بين أبنائه.
المملكة لها تجربة ناجحة في الحوار الوطني والتي عادت بالخير على الوطن وأهله ،فالحوار الوطني هو الذي وضع أقدمنا على الخطوة الأولى في التفاعل والتواصل بأسلوب يقبل منا الآخر وليس بالضرورة أن يقبل كل ماعنده ولكن يقبل التفاعل والتعاون معه .
تجربة ناجحة
من جهته، يقول محمد المرحومي رئيس اتحاد الطلبة السعوديين بمصر،طالب الاكاديميه العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري ،المملكة لها تجربة ناجحة في الحوار الوطني والتي عادت بالخير على الوطن وأهله ،فالحوار الوطني هو الذي وضع أقدمنا على الخطوة الأولى في التفاعل والتواصل بأسلوب يقبل منا الآخر وليس بالضرورة أن يقبل كل ماعنده ولكن يقبل التفاعل والتعاون معه .
كما علينا أن نتحدث عن مركز الحوار الوطني بالمملكة والذي ركز في أهدافه على الوحدة الوطنية ومسيرة الوطن التي بدأت وتأسست على الفكر وعلى الدعوة ،على العقيدة التي تعمق الصلة وتجمع ولا تفرق وتهدي ولا تضل.
أهمية كبيرة
وترى سهى شريف منصور طالبة الدكتوراه بكلية الفنون التطبيقية جامعة القاهرة ،أن للحوار أهمية في حياة الشعوب فقد حدد علماء اللغة بأن التحاور هو التجاوب, المتحاورون قد يرجع أحدهم إلى رأي الآخر أو فكره للوصول إلى الصواب ونقطة التقاء وجسر تواصل بين الشعوب والمجتمعات.
الحوار ضروري ومهم في كل الأوقات لتعميق العلاقات المختلفة بين شرائح المجتمع سواء أكانت وطنية أو اجتماعية أو اقتصادية ..هدفه التعليم والإرشاد وتقريب وجهات النظر, وهو ما قام به الحوار الوطني في المملكة العربية السعودية متمثلاً في مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني من اهتمام كبير في نشر ثقافة الحوار البناء الإيجابي بين شرائح المجتمع.
أما محمد مبارك طالب ماجستير بكلية العلوم جامعة القاهرة، فيقول: إن الحوار لو تعمق أحدنا في معنى الكلمة لوجدها هي لغة التواصل الاولى بين الانسان ومجتمعه والحيوان وكافة المخلوقات بل والاتصال ما بين المخلوقات و باريها فطرة الله سبحانه ولو عدم ذلك لعدم الاتصال وانعزل كل شيء مع نفسه كالجماد هذه لغة ديننا و نهج نبينا صلى الله عليه وسلم ومنهم اتخذها مليكنا خادم الحرمين الشريفين نهجاً شريطة ان يكون ذلك الحوار بناءً يتخذ أسلوباً حضارياً ينعكس فيه مدى تحضر المجتمع فنجح خادم الحرمين الشريفين أطال الله في عمره أن يوجد المراكز التدريبية و المجالس المحلية و مركز الملك عبد الله للحوار الوطني بل وامتد ذلك عالمياً من خلال مبادرته التاريخية للحوار بين أتباع الأديان والثقافات فإن دل ذلك فيدل على تقدم المملكة العربية السعودية فالحوار الوطني وتصدير النهج البناء لذلك أدام الله محبتنا وتواصلنا.


بحثاً عن «مانديلا» عربي ينهي حالة الانقسام والاستقطاب
أصبحت تعانى الكثير من الدول العربية من حالة الاحتقان فى الشارع السياسي، ومازالت تبحث عن حلول كثيرة من ضمنها الحوار الوطني الجاد..وأكد عدد من المواطنين ل(اليوم) على ضرورة الوحدة والاندماج داخل المجتمع الواحد وأن نصب عين كل مواطن على مصلحة دولته والتوجه إلى حوار مع المواطن بدلاً من إنشاء أحزاب كرتونية جديدة همها تقاسم السلطة.وإليكم الاستطلاع:
المصالحة الوطنية
في البداية، يرى محمد حسان غسان قبش، طالب الماجستير بكلية الطب البيطرى بجامعة القاهرة، أنه في ظل ثورات الربيع العربي ومقارعة الديكتاتوريات المستبدة واستعمالها اسلحة شيطانية للتشبث بحكمها مثل ضرب الوحدة الوطنية بين ابناء البلد الواحد، برزت المصالحة الوطنية كخيار وطني لإعادة روح التوحد والاندماج بين مكونات الشعب وتم تفعيل العمل بها في البلدان التي انهت ثوراتها وتلك التي تنتظر موعد الحرية حيث تعيش اليمن حالياً مرحلة مصالحة وطنية شاملة من خلال حوار وطني يتم الاعداد له ،وسينطلق في 18 مارس المقبل، والذى يتوقع أن تكون له نتائج حل كثير من القضايا التي أفرزها نظام المخلوع صالح وأهمها القضية الجنوبية ، وصياغة دستور جديد ، يمهد لانتخابات برلمانية ورئاسية مطلع العام 2014 م.
وقال قبش: "أما في سوريا فإن طبيعة شعبها وقوة أصالته ووحدته الوطنية جعلته يصمد أمام سنتين من محاولات النظام لبث روح التفرقة والعداوة بين الطوائف المختلفة" بالإضافةإلى أن الإمعان بالقتل وكثرة الشهداء وطول الزمن مع عدم وجود أمل لوقف القتل واستعمال النظام لطوائف معينة واستغلاله لها أدى إلى بروز نوع من التشتت بين مكونات الشعب وكان لابد من المصالحة الوطنية لدرء مخاطر اندلاع حرب أهلية قد تدمر البلد لذا وحتى قبل سقوط النظام نهضت بعض القوى الفاعلة والعاقلة من كل الطوائف وأقامت الندوات الحوارية وجلسات للتقارب بين جميع فئات الشعب لكن كل هذا الأمر لن يكون فاعلا ما لم يتوقف دعم تلك الطوائف وايقاف الزج بأبنائها مع كتايب الجيش النظامي الذي يقوم بالقتل لذا أول خطوة لتحقيقها سيكون بعد إسقاط النظام وإيقاف القتل ورد الحقوق لأصحابها والمحاسبة ...ولنأمل جميعا ألا يطول إسقاط هذا النظام كي لا يزيد الشرخ وتتعقد حالة التفرقة.
تصفية حسابات
من جانبه، قال أحمد عبد الحميد، محرر، إنه يجب على كافة الأطراف والقوى السياسية أن تضع نصب أعينها مصلحة مصر أولا ، فللأسف هناك عملية تصفية حسابات تُمارس والشباب المصري أصبح وقوداً لهذه العمليات التي تنال من معارضيها مهما كانوا ، حيث أصبحنا نرى التفكك والانقسام الذى ألمّ بالمجتمع المصري في سابقة لم تحدث منذ عقود فلطالما تميّز المجتمع المصري بالتماسك والترابط .موضحاً أنه لم يعد هناك تنازلات من أي طرف ، فنحن نرى جبهات وحركات تشترط تنفيذ مطالبها وأخذ تعهدات وضمانات قبل أن تبدأ حتى في المفاوضات ، بينما النظام الحاكم لا يقدم حلولاّ حقيقية لأى مشكلة تظهر في المجتمع ، كما لم يعد هناك ما يسمى بإدارة الأزمات .
وأكد أحمد أنه يجب الاعتراف بأن انشاء أي حركة أو ائتلاف جديد لم يعد حلاً على الإطلاق، بالإضافة إلى أن الجميع يبحث عن مصلحته وكيفية النيل من أعدائه على حساب إراقة الدماء وتعطيل المصالح والأرزاق ، فالحل هو الحوار بدون شروط مع المرونة في التعامل وتقديم التنازلات في الازمة التي تؤدى إلى الارتقاء بالحوار الوطني ومن ثم البدء في البناء الفعال والحقيقي للبلاد.
الجهل و الحقد
بينما يرى عبد الكريم بن عبد الله، مدوّن ومصوّر، أننا العالم العربي بحاجة إلى مصالحة وطنية حقيقية بصفة عامة، قائلاً " العدو ليس بيننا ولكنه الجهل و الحقد و أطراف أخرى ويجب العمل على بناء وحدة قومية، قوامها العمل و احترام الآخر.. العدو الحقيقي يترصد بنا و يعمل على تفرقة الصفوف".
وأشار عبد الكريم أنه في ظل استقطاب سياسي في تونس، لابد من مصالحة ممكنة المصالحة ممكنة خارج النطاق السياسي و لا سيما ان ارتفاع الاسعار و البطالة و العنف مشاكل لم تجد لها السياسة حلولا واقعية قائلاً "بل بالعكس ان الحركات السياسية اليوم تتغذى على التفرقة النهضة مثالا ..و نفس المثل ينطبق على كرة القدم.. لكن في كرة القدم يتقابل كل المشجعين في مقابلة المنتخب الوطني" وأضاف عبد الكريم أنه لابد من ايجاد مناخ وطني مشترك، مضيفاً أنه بعد عامين من الثورة مازالت تونس تبحث عن حوار وطني يجمع كل الأطياف، وحتى الآن النظام غير قادر على عمل الحوار بجدية، كاشفاً عن قطيعة مؤلمة بمعنى أن أفراد نفس العائلة أو الحي أو الشركة تقاطع البعض الآخر على أساس انتمائها السياسية- على حد قوله.
مانديلا مصرى
من جانبها، قالت دينا محمد حسنين، إنه من الضرورى التوحد وإنهاء حالة الانقسام السائدة فى الكثير من دول الربيع العربي، قائلة: "كنت أتمنى أن مصر الثورة تحديداً تشهد وحدة واندماجاً على الصعيد الشعبي ولكن الرئيس فشل في ذلك وأصبح يستمد مصدر قوته من أهله وعشيرته (الجماعة)". وأضافت دينا أن مصر بحاجة إلى مانديلا مصرى ينهى حالة الاحتقان ويزرع الحب والتدين لكافة الأطياف.
وأشارت دينا ان الرئيس والحكومة الحالية يجب ان تتحمل فشل إنهاء حالة الاحتقان قائلة: "أصبحنا نسمع لأول مرة فى مصر أن يقوم مسلم بتكفير مسلم آخر لمجرد اختلاف توجهه السياسي ثم يقوم بدعوته للحوار". مضيفة أنه لابد من وضع قوانين تمنع الفتاوى الدينية على الأشخاص المثيرين للجدل ويجب قصرها على العلماء الأجلاء فقط – بحد قولها.

ضياء رشوان

بعد انقسامات بلدان الربيع العربى : المصالحة أم الفرائض ودونها المزيد من الفوضى والعبث ؟!
الأوزان الحقيقية
فى رأي الدكتو ر ضياء رشوان مدير مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية فإن أى مصالحة لن تمر إلا عن طريق فرز وتحديد الأوزان الحقيقية للقوى السياسية خاصة أنه بعد ثورات الربيع العربى وتحديداً فى كل من تونس ومصر وإلى حد ما فى ليبيا حدث نوع من الصعود المفاجئ فى أوزان بعض القوى مما أدى الى تزايد حدة الصراع جراء الشعور بالقوة لدى طرف والخوف من الضعف لدى الطرف الآخر ولن تتأتى عملية فرز وتحديد الأوزان الحقيقية الا عبر طريقين: أولهما التوافق على التمثيل المتكافئ ضمن سياق يقود الى حوار وطنى أو من خلال الانتخابات النزيهة ذات الضمانات الحقيقية وإذا تمت إحدى هاتين الخطوتين فإن مسألة المصالحة ستبقى مرهونة بجدول أعمالها والذى يتعين أن تتصدره المسألة الاقتصادية وتليها تأسيس قواعد العمل الديمقراطى بما يوفر آليات صحيحة لتداول السلطة حتى لاتظل حكراً على طرف دون آخر وذلك من خلال إنجاز الوثائق الأساسية وفى مقدمتها الدستور وللأسف شهدت معظم الدول العربية وما تزال تشهد خلافات بشأنه
وردا على سؤال: هل تنبئ هذه المعطيات عن فشل ثورات الربيع العربى فى تحقيق أهدافها الأصيلة وانحرافها عن ذلك بالتسبب فى بروز الصراع الحاد بين القوى التى قامت بها ؟ قال رشوان: لاشك أن الهدف الرئيسى الذى تحقق بقدر ما هي الحرية والذى كان الشعار الأول لهذه الثورات التى انطلقت منذ ما يقرب من العامين لكن للأسف لم يترجم بالصورة الصحيحة سواء فى صورة تشريعات أو بناء مؤسسات دستورية أو قواعد عامة ملزمة مما أدى الى عدم القدرة على تحقيق الهدف الرئيسى الثانى بالنسبة للنخب والأول بالنسبة للجماهير والمتمثل فى تحسين الوضع الاقتصادى والعدالة الاجتماعية الأمر الذى أسهم فى دفع الأوضاع الى المزيد من التفاقم فى ظل عدم تحقيق الحرية بشكل مؤسسى وقانونى حتى الآن.
أما لماذا عجزت هذه الثورات فى بناء منظومة وحدة وطنية رغم أن الجميع اشترك فى تفجيرها وإنجازها؟ فيجيب:"الوحدة الوطنية بين القوى السياسية تستوجب أولا نوعا من التوحد المجتمعى القائم على العدل الاجتماعى بين الطبقات والمناطق وبالتالى أدى غياب قواعد تنظيم الحرية الى مزيد من الخلاف بين هذه القوى وهو ما نلمسه تقريبا فى كل دول ثورات الربيع العربى وفى الوقت نفسه فإن عدم القدرة على تحقيق العدالة الاجتماعية أدى الى مزيد من التصارع الطبقى والاجتماعى, فبدأ المشهد السياسى يتجه الى الدخول فى دائرة التفتت وليس التوحد وبات ذلك هو المسيطر على المشهد بكامله وقد لاحظنا مؤخراً ظهور موجات أبناء الشوارع وما يسمى بالبلطجية وهو فئات ظلمت اجتماعياً ونراهم حلوا محل الثوار.

عبد الصبور فاضل

مصالحة مصيرية
ويبدى الدكتور عبد الصبور فاضل عميد كلية الإعلام بجامعة الأزهر تحفظه على مصطلح المصالحة الوطنية ويرى أنه من الأفضل استخدام مصطلح المصالحة المصيرية لأنه ليس ثمة خلاف – كما يضيف- على قضايا الوطن بينما كان المأمول عندما قامت ثورات الربيع العربى أن تغير الأوضاع القائمة تغييراً جذرياً باتجاه تحقيق أوضاع أفضل لكن ما حدث كان بعضه متوقعاً وفى صدارته التدخلات الخارجية النشطة فى مجمل الشئون الداخلية لدول الربيع العربى الى حد المؤامرة فى بعض الأحيان , وبعضه الآخر لم يكن متوقعاً وهو ما تجلى فى حالة الانشطارات والانقسامات بين القوى التى شاركت فى الثورات على نحو شديد الخطورة وهو ما نراه واضحا فى أغلب الدول التى شهدت هذه الثورات وهو أمر غير مقبول.
ويرى الدكتور فاضل أن ثمة خللا وقع فى أعقاب هذه الثورات على صعيد العلاقات بين القوى السياسية والحزبية على نحو وسّع من دائرة خلافاتها وغاب التوافق فيما بينها على القضايا المصيرية مثل الدستور والانتخابات والبناء الاقتصادى موجها دعوة للقيادات والرموز الدينية بالمبادرة الى القيام بجولات مكوكية للالتقاء بهذه القوى وحثها على وقف الشكوك المتبادلة والبحث عن القواسم المشتركة فيما بينها وهى أكثر من عناصر الاختلاف مؤكدا أن إتمام المصالحة يعد من المنظور الدينى أم الفرائض التى يتعين على الجميع أن يسهم الجميع في تحقيقها وذلك يستوجب من المساجد – فضلاً عن الكنائس – أن تلعب دوراً مهماً لمخاطبة المتنازعين والعودة الى جادة الصواب من خلال الإسراع ببناء التوافق والتفاهم فيما بين القوى السياسية والحزبية التى أهدرت الكثير من الوقت فى الفترة الماضية فى الجدل والخلافات والتباينات وذلك حرصا على مصالح الأوطان بالدرجة الأولى وإلا فإن البديل سيكون هو العبث والمزيد من الفوضى. وأسأل عميد كلية إعلام بجامعة الأزهر: الى أى مدى لعبت وسائط الإعلام دوراً سلبياً فى تكريس حالة الانقسام بين القوى السياسية وهل يمكن أن تسهم فى إتمام المصالحات المطلوبة ؟ فيجيب: بالتأكيد لعبت بعض هذه الوسائط أدواراً بالغة السلبية فى تعميق حالات الخلاف والتناقض بين مختلف القوى وذلك من خلال التركيز على الجوانب الخلافية وإثارة الفتن والتحريض فى بعض الأحيان على تبنى مواقف متطرفة وحادة وتنطوى على قدر من الشطط بينما الإعلام وفق مايفهمه علماؤه ينبغى أن يتسم بطبيعة توعوية بالدرجة الأولى دون أن يكون مجرد ناقل للأحداث بدون فرز ومراعاة لخصوصيات القضايا والمجتمعات وذلك انطلاقا من مسئولياته الاجتماعية قبل مسئولياته السياسية وعلى الإعلام أن يدرك هذه المسئولية الكبرى الملقاة على عاتقه دون أن يجعل من نفسه بوقا لكل من هبّ ودبّ ويعتنق أفكاراً وتوجهات سواء داخلية أو خارجية تتناقض مع مصالح الأوطان وأن يعكس دوماً التوجهات الصحيحة وفق منظومة القيم الدينية والاجتماعية التى تحكم المجتمعات وبعيداً عن الانحياز ويتبنى الموضوعية ويتجنب التركيز على قضايا يكون من شأنها إثارة الفتنة بينما يتجاهل القضايا المهمة والكبرى ويؤكد فاضل أن الإعلام بوسعه أن يدير حوارات جادة بين النخب السياسية وهو بذلك يضع البذرة الأولى لمشروع المصالحة معرباً عن قناعته بأن ذلك الدور هو فرض عين على كل وسيلة إعلامية لإقناع هذه النخب والشعوب بعدالة المصالحة المصيرية والتى يتعين أن تكون بين جميع رموز الفصائل والحركات السياسية والحزبية والثورية وبمشاركة أهل الحكم وهو ما يستدعى من كل هؤلاء الفرقاء تقديم التنازلات التى من شأنها أن تبلور الحلول الوسط التى تتناغم مع مطالب الجميع مشدداً على أهمية أن يتسم الجميع بالقواعد الديمقراطية والشفافية ويقول: إن المعارضة مطالبة بأن تتجنب الأساليب الانتهازية وتبنّى خطوات انقلابية بينما السلطة مطالبة بأن تتجنب التسلط والاستبداد والعنجهية ومحاولة فرض رؤيتها والهيمنة على مفاصل الدول وفى الوقت نفسه فإن كل القوى الحزبية مطالبة بأن تؤدى دورها بما يرضى الله ويتوافق مع مصالح الأوطان ويقترح فى هذا الشأن عقد مؤتمر موسع فى كل دولة من دول الربيع العربى بمشاركة قيادات دينية وسياسية واجتماعية مؤثرة تحت رعاية المؤسسات الدينية فى كل دولة (الأزهر فى حالة مصر) لوضع الأطر والأسس والمحددات التى تتحرك فيها المصالحة المصيرية على أن يتم تهديد كل من يمارس أعمال الفوضى بعواقب وخيمة لكل مالم يستجب لصوت العقل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.