على الرغم من أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر حصلت على ما لم يحصل عليه أي فصيل سياسي حديث العهد بالحكم من ترحيب شعبي، وتفهم أمريكي، ودعم تركي، وتمويل قطري، إلاَّ أن الإخوان فشلوا في استثمار كل ذلك، وارتكبوا أخطاءً بالجملة، ولم يتمكنوا من الاستمرار في الحكم أكثر من سنة واحدة يتيمة، ربما لن تتكرر في المستقبل القريب. خروج الإخوان السريع من الحكم في مصر جاء أساساً بسبب عدم نضجهم السياسي وليس بسبب مؤامرة داخلية أو خارجية ضدهم. برزت لحظة الإخوان في السلطة فجأة وانتهت فجأة. لكن نهاية لحظة الإسلام السياسي لا تعني خروجهم كلياً ونهائياً من التاريخ السياسي العربي. لقد صوتت الجماهير في مصر بقلبها وليس بعقلها، لصالح مرشحي الإخوان في انتخابات حرة ونزيهة، وقدَّم الشعب المصري السلطة للإخوان على طبق من ذهب ومن منطلق أنهم ظلموا كثيراً، وناضلوا طويلاً وأنهم جماعة «بتوع ربنا وليسوا طلاباً للسلطة والحكم». في أقل من سنة تصرف الإخوان بمنطق الغالب والراغب في الاستئثار بالسلطة، ثم قاموا باستعداء الصغير والكبير وتراجع تدريجياً الدعم الثوري وازداد السخط الشعبي وحدث التمرد الشعبي الهادر الذي ضرب نظام الإخوان في مأمن. لكن بالإضافة إلى التصويت الشعبي حصل الإخوان خلال سنة حكمهم على تفهم أمريكي غير مسبوق. فقد تحولت أمريكا من العدو السياسي والعقائدي اللدود إلى الصديق الصدوق والحليف الجديد للإخوان. راهنت إدارة أوباما على أن الإخوان هم الطرف الوحيد القادر على إعادة المارد العربي الثائر إلى القمقم. وحصلت واشنطن في حواراتها الاستراتيجية العميقة مع الإخوان على كفايتها من الضمانات بأن مصالحها الحيوية مصانة بما في ذلك الالتزام بمعاهدة السلام مع إسرائيل وبقاء واستمرار الوضع القائم. لكن التفهم الأمريكي لم يتمكن من وقف الزحف الشعبي المفاجئ في 30 يونيو الذي كان بنفس ضخامة مفاجأة ثورة 25 يناير. علاوة على التفهم الأمريكي حصل الإخوان على دعم معنوي وتنظيمي ثمين من تركيا. لقد وضع الزعيم التركي أردوغان كل ثقله المعنوي والسياسي لدعم مشروع الإخوان. قدمت تركيا النموذج الإسلامي المعتدل والنموذج الديمقراطي المستقر والمزدهر. هذا النموذج التركي الجاذب كان مغرياً ومحفزاً للتصويت للإخوان والتيار السياسي في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. كان أردوغان فرحاً بصعود الإخوان وذهب بعيداً في نسج محور إقليمي إسلامي جديد تكون أنقرة عاصمته الفكرية والسياسية. انتهى هذا المحور ومعه الحلم الأردوغاني بأسرع مما كان متوقعاً. وبجانب الدعم التركي والتفهم الأمريكي والتصويت الشعبي حصل الإخوان على تمويل قطري لا حد ولا حدود له علاوة على ترويج إعلامي عبر قناة الجزيرة فريد من نوعه. فتحت قطر تسهيلات مالية غاية في السخاء لدعم مشروع نهضة الإخوان في مصر بحسن نية أن هناك تفويضاً شعبياً للإسلام السياسي في المنطقة، ومن منطلق استراتيجي أن قطر ستكون آمنة ومطمئنة ضمن محور تركي مصري قطري إقليمي صاعد. لكن الرهان القطري لم يستمر طويلاً وهو الآن قيد المراجعة في ظل القيادة الشابة الجديدة. لكن رغم توفر جميع معطيات النجاح التي لم تتوفر لأي مشروع سياسي في التاريخ العربي المعاصر فشل الإخوان في الحكم، ولم يستمر زمنهم في السلطة طويلاً. لقد اتضح أن مصر أكبر من أن تُحكم من قِبل فصيل سياسي مهما كان ثورياً ومنظماً ومدعوماً سياسياً ومعنوياً ومالياً من الداخل والخارج. واتضح أيضاً وبما لا يدع أي مجال للشك أن الإخوان لا يملكون النضوج السياسي لحكم دولة بحجم مصر أو حتى بحجم تونس. الإخوان جيدون في المعارضة وسيئون في السلطة وعليه فمن صوت لهم بقلبه لن يصوت لهم مجدداً بعقله. ثم إن الإخوان ذهبوا بعيداً في مسار الأسلمة على حساب مسار الديمقراطية، مما ألَّب عليهم القوى المدنية والشبابية والثورية التي فجرت ثورة 25 يناير ضد الفساد والاستبداد، وكان حلمهم بناء نظام مدني وديمقراطي مستقر ومزدهر في مصر. ومن مساوئ سنة من حكم الإخوان الإساءة إلى علاقات مصر الخارجية، فخلال سنة واحدة أساءوا إلى أطراف عربية مهمة كالسعودية والإمارات وبعثروا ما تم بناؤه على مدى 40 سنة من علاقات خليجية مصرية في الوقت الذي كانت مصر في أمس الحاجة إلى دول الخليج ودول الخليج العربي في أمس الحاجة إلى مصر القوية والمستقرة. والشاهد أن الإخوان فرطوا في الاحتضان الشعبي العفوي، والتمويل القطري السخي، والدعم التركي المعنوي، والتفاهم والتفهم الأمريكي، وفي لحظة غياب عن الوعي السياسي بوجود تفويض شعبي لا وجود له هرولوا بعيداً في أسلمة مصر على حساب الديمقراطية. ما حدث في 30 يونيو هو رفض شعبي قاطع لطمع وجشع الإخوان في السلطة واندفاعهم الآحادي نحو الأسلمة على حساب الديمقراطية. لذلك لم تستمر لحظة الإخوان طويلاً، لكن هذا لا يعني أن زمن الإخوان انتهى وإنهم خرجوا من التاريخ. فالأخوان ليسوا بفقاعة تبرز فجأة وتختفي فجأة. التيار الإسلامي السياسي هو تيار أصيل فكرياً وسياسياً ونابع من رحم المجتمع وله تاريخه وثقله الفكري ولا يمكن عزله وتجاهله، لكنه أثبت فشله وأكد أنه لا يعرف كيف يحكم ويحتاج أكثر ما يحتاج إلى دورة مكثفة في أبجديات البقاء في السلطة. * باحث وأكاديمي إماراتي