ابن خلدون عاش ثلاثة أرباع القرن 75 حولاً في ثلاثة أثلاث؛ ثلث في تونس، وثلث في الأندلس والمغرب، والثالث في مصر في ممارسة القضاء. أنا شخصياً عشت ثلث عمري الأول في سوريا، بين القامشلي ودمشق. وقضيت قريباً من عقد في ألمانيا. وربع قرن في المملكة. وحين أستعرض صفحات المفكرين والكُتاَّب ربما كان أجمل ما كتبوا وتركوا خلف ظهرهم مذكراتهم الشخصية. مثلا استمتعت بمذكرات البدوي الفيلسوف المصري في جزءين، وربما كان أوضح لي من كل الكتب التسعين التي خلفها وراء ظهره من كتب الفلسفة. وقرأت حفريات في الذاكرة لعابد الجابري المغربي -رحمه الله- على الاثنين. فعرفت طريقه وكيف شقه للعلم مودعاً التجارة والربح المالي خلف ظهره، وكيف أنه درس في دمشق وأحب ممرضة مسيحية. وقرأت للمسيري كتابه الضخم خلط فيه فلسفته مع ذكرياته الشخصية. كذلك استمتعت بقراءة مذكرات إدوارد سعيد خارج المكان، وقصصه مع والدته ووالده صاحب التجارات والمكتبات وتجربته في أمريكا. وقرأت لحسن البنا كتاب مذكرات الدعوة والداعية ونصيحته لمن يكتب ويمارس العمل السياسي بالانتباه والإقلال فيما يكتب. كذلك قرأت مذكرات شاهد القرن لمالك بن نبي وعرفت رحلة معاناته في فرنسا. وكتاب تجاربي مع الحقيقة لغاندي، وقرأت للمغربي رشيد النيني رئيس تحرير جريدة الأخبار قصة رحلته الشيقة إلى إسبانيا تحت عنوان مذكرات مهاجر سري. كذلك مذكرات العراقي الجادرجي بين ظلمتين في مذكراته هو وزوجته في وقت واحد، كيف لم يبق عنده في سجون صدام ملابس يستر بها عورته، والرايس المغربي في قصته تذكرة ذهاب وإياب للجحيم عن سجن تزمامارات، ومليكة أوفقير في السجينة، والعشماوي عن الإخوان والثورة، والكتب الثلاثة الأخيرة يجب أن تمثل أفلاماً. وكتاب ذاكرات للأفغاني الذي اعترضوا عليه في العنوان كله. كذلك كتاب الخواطر لباسكال الفرنساوي. ومذكرات الهضيبي دعاة لا قضاة. ومذكرات التلمساني المصري والفلالي المغربي. كذلك قرأت مذكرات مناحيم بيجين وموشي ديان والرزاز البعثي الأردني وتشرشل ومونتجمري بل وكتاب كفاحي لهتلر. كما ترون يا قرائي الأعزاء كتب المذكرات التي اطلعت عليها كثيرة واستفدت منها أكثر، وتشجعني ابنتي آمنة في مونتريال أن أسجل ما رأيت، وهي محقة فقررت أن أكتب ثلاثة أجزاء؛ الأول من سوريا، حيث نشأت حتى ودعت، والثاني في الغرب، والثالثة في المملكة وربما الرابع بين المغرب وكندا. مشكلة المذكرات أنها تحرض عداوات، ويعدها البعض مقاتلاً وكشفاً للعورات، وإظهارا للعيوب والمثالب والنواقص، ولكننا بشر ممن خلق. كان والدي -رحمه الله- مرتاحاً من هذا الجانب إذا سألته عما رأى وعاين كان يقول دعني ليس ثمة ما أقول. حتى كان ذلك اليوم الذي ألححت عليه أنه عاش قرناً كاملاً من التغيرات فأجاب حقيقة لم نعش ما يستحق أن نرويه لا أدري أين الحقيقة؟