«طلّقني».. هكذا فاجأتُ أبي وأنا أعود إلى بيته أحمل حقيبتي ووجعي.. ومضى من العمر سنوات ثلاث. وفي يوم حزين مرض والدي، فيختار الله أن تسقط ورقة عمره من شجرة الحياة.. وانتهت مراسيم العزاء. فقدُ أبي أوجعني وغرسَ نصلا في قلبي.. عشتُ بعدهُ وحيدة في حضن أمٍ مفجوعة في زوجها خائفة على ابنتها الوحيدة. وفي أحد الأيام طرقتْ بابَ بيتنا أختُ مطلقي.. جاءتني تحمل في يدها رسالة فتحتها وقرأت: «الغالية: عفراء.. ثلاث سنين كسنين يوسف ولا أجد من يحمل لي قميصكِ ليرمي به على وجهي فأرتد بصيرا.. لا ريح تبشر بك.. ولا أمل ضرير يتوكأ على عكاز العجز يقودني إليك.. لا أدري كيف نبتت على شفتي لغة خبيثة جعلت ما بيننا ينتهي.. حروف من نار الألم، لفظها لساني على سمعكِ قبل سنوات ثلاث.. لقد رميتُ بكِ في لجة الحزن والأسى.. ووحدي تلبسني الحنين إليكِ.. أعرف أنكِ كنت تعشقين كل شيء فيّ حتى أخطائي.. أعرف أنكِ سامحتني على خيبات كثيرة علقتها على شماعة عمرك.. أعرف أنّي أخطأتُ وتخلّيتُ عن قلبكِ المحب الطّيّب.. أعترف لكِ الآن بأني شخصٌ عابث.. نعم، لقد عبثتُ بمشاعرك الصادقة المحبة.. لقد توليتُ عن قلب ناصع البياض.. قلب نقي كغيمة.. قلب كالعرف الشذي وركضتُ خلف الوهم.. لقد خنتكِ مرات ومرات.. أنتِ لا تعلمين بخيانتي لكِ لكنني خائن.. لقد خنتكِ بسمعي وبصري وعقلي وقلبي.. لقد خذلتكِ.. ولم أكن الوفي.. ولكنني الآن نادم.. أنا آسف على كل لحظة ابتعدتُ فيها عنكِ.. أنا آسف على كل حرف لم تكوني ملهمتي فيه.. أنا آسف عدد النجوم وحبّات الثرى على كل يوم لم أتصبح فيه بوجهكِ.. أنا مذنب.. أنا كلي أخطاء.. ومنكِ أستجدي السماح يا عفراء.. فسامحيني.. أريد أن يعود ما بيننا عامراً وما بيني وبين الناس خراب.. أريدُ أن تهطلي على عمري مطراً من نور.. أريد أن أكتب لكِ القصائد وأنتِ تضعين خدّكِ على خدّي وتبتسمين.. أريد أن نلوذ ببيتٍ أشرق بنوركِ لسنوات خمس.. أريد أن تعودي ملكة أيامي وعمري وثواني لحظاتي.. أريدكِ الآن لأعزف لكِ لحن الحنين.. الحنين لكوب قهوة تعدينه بنكهة ضحكاتكِ.. الحنين لتغريدكِ بأغنية على سمعي.. الحنين لبعثرة أقلامي وخلط أوراق قصائدي.. أنتِ العمر يا عفراء.. أنتِ العمر.. وبعدكِ كل العمر سراب.. فهبي لي قلبكِ المخلص من جديد وعودي.. البيت دونكِ قبر و(أنا جثة تمشي على قدم).. القهوة بعدكِ رماد.. والحروف عاصية متمردة.. وكل ثواني عمري تشكو الفقد والحرمان.. عودي يا أجمل حب وأغلى حب وأطيب قلب.. عودي لتعود لحياتي أنفاسها.. اعتقي رقبتي من حياض فقدك.. أعيدي لعمري ألوان قوس الفرح.. أعيدي لي الضحكة التي غاضت من وجهي.. عودي يا حبيبة الروح.. عودي يا سكني.. عودي يا زهرة دوار الشمس.. وأعدكِ ألا أعود سيرتي الأولى.. أعدكِ أن أكون الوفاء والإخلاص والحب لقلبكِ الكبير.. عودي يا قيثارة الحنين.. يا طفلتي المدللة.. عودي يا أنا لتستنير دروبي بنور وجهك..عودي. المحب لكِ حتى ينقضي الأبد: حسن». قلبتُ الورقة وكتبت: «أقول: وش ذكرك حب طوته الليالي/ حب مضى ما بين قلبي وبينك/ راح الزمان اللي من أول وتالي/ اللي عليه اليوم تبكي سنينك/ يا ما رجيتك متعب فيك حالي/ يوم الهوى واقف على رمش عينك/ جيتك وقلبي من عنى الهم خالي/ وصرت البخيل اللي طلبتك حنينك/ خلاص لا تذكر زمان مضى لي/ ولا تذكر اللي فات وتقول وينك/ أنسى وبانسى كل شي جرى لي/ والله على باقي حياتك يعينك».