كتب (فون باولوس) قائد الجيش السادس من ستالينجراد في الحرب الكونية يستغيث: (إننا نتكلم من عالم غير عالمكم. نتكلم من عالم الأموات. إن وجودنا منذ الآن سيكون في كتب التاريخ فقط). وهو ماصار فنحن نكتب عنه وعنهم!! في خمسة أشهر من القتال تحوَّل 99% من المدينة ركاماً، وهدم 41 ألف منزل، و300 مصنع، و113 مدرسة ومستشفى. أما الضريبة البشرية فكانت الأفدح إذ بلغت 2 مليون من الأنام. لقد بلغ عدد ضحايا الجيش الأحمر 750 ألفاً بين قتيل وجريح ومفقود، وخسر الألمان نحو 400 ألف، ووقع في الأسر 90 ألفاً، لم يرجع منهم إلى الوطن سوى خمسة آلاف. من هؤلاء الخمسة آلاف تحدثت إلى بعضهم أنا شخصياً، ممن اكتحلت عيناه برؤية الوطن. كان ذلك أثناء رحلة تخصصي في ألمانيا بعد مرور ثلاثين عاماً على الحرب. وخسر الإيطاليون 130 ألفاً، والمجريون والرومان 320 ألفاً، ولم يبق من أهل المدينة البائسة سوى 1500 شخص. وعند الاستسلام وقع في الأسر 500 ألف أسير، مات منهم خلال أشهر 400 ألف. دفع الكل ضريبة الحرب؛ فأما الروس ففقدوا حوالي 22 مليون نسمة، وفقد الألمان حوالي الستة ملايين، وخسر العالم أكثر من خمسين مليوناً. خسر الألمان ربع الرايخ، وهرب من الشرق 12 مليوناً، تركوا أراضيهم، ومات منهم في طريق الفرار مليونان، وقسمت ألمانيا إلى شطرين. ولم تسترجع ألمانيا وحدتها إلا بعد نصف قرن، تحت أربعة شروط: عدم امتلاك أو إنتاج أسلحة الدمار الشامل. ألاَّ يزيد الجيش الألماني على 370 ألف مقاتل. ألاَّ تعسكر قوات الناتو في ألمانيا. ألاَّ تطالب ألمانيا في المستقبل مطلقاً بأي أراضٍ ألمانية سابقة. إن الحرب كما يقول الفيلسوف (إيمانويل كانت) إنها لا تنظف المجتمع من السيئين بل تزيدهم، وتدخل المرض إلى كل مفاصل المجتمع، وكل حرب تتغذى من حرب جديدة، فتقول هل من مزيد. ظهر إلى السطح مشروع اسمه (إيكولوت Echolot) يشرف عليه ألماني وروسي، يجمعان وثائق الحرب، لعشرات الناس الذين عاصروهما، كي تنقل التجربة الإنسانية بكل أبعادها؛ فتخرج عن كونها مسألة إحصائية. بلغت اليوم وثائق هذا المشروع الحيوي التاريخي 6500 وثيقة و300 ألف صورة تروي مشاعر الناس الفردية، وكيف عاشوها يوماً بيوم.