أبها – سارة القحطاني المملكة تتصدر الإنفاق على الطعام خليجياً. التضخم فرض الترشيد على ذوي الدخل المتوسط. 3.1 % معدل نمو الاستهلاك الغذائي في الخليج. 1.2 مليون وجبة تفيض عن حاجة السعوديين يومياً. «رُبَّ ضارة نافعة» هكذا يقول المثل .. وهو أيضاً لسان حال الجمعيات الخيرية في المملكة وفي مقدمتها بنك الطعام، التي رأت في حالة الإسراف التي يعيشها المجتمع، فرصة لإطعام آلاف الأسر التي لا تكاد تصل حتى إلى حد الفقر. من هذا المنطلق، خفّت لهجة النقد الموجهة لسلوكيات الإسراف التي يعيشها المجتمع، وباتت تنصح بإعادة توجيه هذا الإنفاق الضخم على الغذاء باتجاه الفقراء. وقد كان تأسيس بنك الطعام «إطعام» في المنطقة الشرقية قبل ثلاثة أعوام، بمنزلة مؤشر قوي على أن الإسراف في الطعام بات يشكل ظاهرة. واسترشد مؤسسو البنك آنذاك بتجارب عربية وعالمية سخرت جهودها لإعادة توجيه مصادر الإنفاق على الطعام باتجاه تحسين الأوضاع المعيشية للفقراء. فائض مهدر وبينما تقدر بعض المصادر الإنفاق الأسري على الطعام بنحو 45% من ميزانية الأسرة السعودية، تشير مصادر مطلعة إلى أن إجمالي الوجبات الفائضة في المجتمع يومياً تقدر بنحو 1.2 مليون وجبة من أصل أربعة ملايين، أي ما يوازي ثلث وجبات الطعام في المملكة مرشحة للضياع رغم ما تكلفه من نفقات ترهق ميزانيات الأسر. وهي كفيلة بأن تغطي متطلبات الفقراء من الطعام. ولعل هذا ما جعل الأمين العام لبنك الطعام ومديره التنفيذي حمد الضويلع يؤكد أنه لن يكون في المنطقة الشرقية فائض للأطعمة بعد خمس سنوات. وبينما يطالب مختصون في الشأن الاقتصادي بالحد من الإسراف، نشطت الجمعيات الخيرية ومعها بنك الطعام في إعادة توظيف هذا الفائض باتجاه مفيد وهو ما ظهر جلياً في تدشين حملات تحت شعار «حفظ النعمة» في عدد من المدن في اعتراف ضمني بعدم إمكانية الحد من الإسراف، ومحاولة الالتفاف عليه بتطويعه لسد جوع الفقراء. نموذج لا تخطئه عين فضل البوعينين في هذا السياق، يرى الاقتصادي فضل البوعينين أن شهر رمضان يعد نموذجاً لا تخطئه عين لهذا الإسراف، حيث يشير إلى أن عجلة الإنفاق لدى الأسر السعودية ترتفع في شهر رمضان لدرجة قد تصل إلى الضعف. وفسّر هذه الظاهرة بسعي الأسر إلى تغطية التزاماتها المالية التي تزيد في هذا الشهر مع تزايد الرغبة في المساهمات الخيرية ما يجعل النفقات تبدو متضخمة، ومن ثم فإن الأسر تزيد من نفقاتها على الغذاء بدلاً من الاقتصاد فيها. وبيّن أن تفنن الأسر في توفير الأطعمة الرمضانية يجعل تكلفتها تفوق تكلفة بعض الأطعمة التي يمكن شراؤها من المطاعم. وقدّر أبو العينين الفائض من الأطعمة عن استهلاك الأسر بنحو 40% لا يستفاد منه في الغالب ولا يتم توزيعه على المحتاجين بل تكون وجهته النهائية إلى صناديق النفايات. ويقول إن الأسر متدنية ومتوسطة الدخل لا يكون لديها فائض مادي خاصة إذا ماعلمنا أن متوسط رواتب السعوديين الآن هو خمسة آلاف ريال، بل إن بعضهم يحتاج إلى مساعدات خارجية لإعانتهم على أعباء هذا الشهر خاصة وأنه يختتم بموسم العيد الذي يحتاج لنفقات أسرية إضافية. أما الأسر مرتفعة الدخل فوضعها استثنائي ولكن الشريحة العظمى في المجتمع متوسطة الدخل ومتدنية الدخل. فتّش عن العادات ! سليمان الخالدي ويرُد الاقتصادي سليمان الشعلان الخالدي حالة الإسراف التي يعانيها المجتمع خاصة في شهر رمضان إلى عادات وتقاليد تتناقض مع الثقافة الاستهلاكية الرشيدة. ويقول مع تسارع نمو التضخم خلال السنوات الأخيرة، وعدم اتخاذ سياسات مالية ونقدية ناجحة تخفف أثره السلبي على دخول الأسر، يُلاحظ من تقارير المبيعات لبعض مراكز التسوق الكبرى، وكذلك حركة السحوبات النقدية لأجهزة الصرف الآلي ونقاط البيع أن هناك تقلصاً لنسب الزيادة فيها قبيل رمضان مقارنة بالشهور السابقة عليه حيث لم تتجاوز 10% بعد أن كانت تصل إلى 20% ما يدل على تقلص في عشوائية الشراء الاستهلاكي وأن الضغوط التضخمية أجبرت كثيرا من الأسر على اتباع ثقافة استهلاكية أكثر رشداً مما مضى. لكن الخالدي أكد أنه مع ذلك فإن الأسر مازالت تفتقد كثيراً من حسن الإدارة للدخل الشهري طوال العام، حيث إن أغلب الأسر تستنفد جلّ دخلها في سلع استهلاكية شكلية وأغذية تفيض عن الحاجة دون تخطيط ادخاري طويل المدى، وبدلاً من ترشيدها خلال شهر رمضان، وهو شهر يفترض فيه أنه ينبذ الإسراف، نجد الغالبية ترتفع لديهم المصروفات قبيل رمضان وخلال العشر الأُول منه لتستقر في أوسطه وتعاود الارتفاع في آخره مع تسلم الرواتب وبدء إجازات الموظفين، حيث تستهلك مصروفات الإجازة والعيد معظم الدخل، ليجد رب الأسرة نفسه عاجزاً أمام التزامات أساسية فيما بعد. وأكد أن الاستهلاك الرشيد هو من الأسس التي تقوم عليها ثقافة التوفير والادخار ويصعب نشرها كثقافة ما لم يتم التركيز عليها منذ الصغر وعبر منظومة التعليم العام في جميع مراحله، عندها سنتمكن من ترسيخ ذلك السلوك الرشيد استهلاكياً وادخارياً. مظاهر احتفالية .. ولكن ! عبدالمجيد نيازي ويرى المحاضر في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عبدالمجيد طاش نيازي أن زيادة استهلاك الأسرة السعودية في شهر رمضان قد ترتبط بمظاهر احتفالية بالشهر الفضيل، ومن حق كل أسرة أن تفرح بهذا الشهر، وقد يكون أيضاً نتاجاً لما تعود عليه بعضهم من دعوة أقاربهم وأصدقائهم في هذا الشهر. ويؤكد أن الاحتفال برمضان على هذا النحو، أمر تعودت عليه الأسرة السعودية وله انعكاسات نفسية واجتماعية إيجابية على جميع أفراد الأسرة. لكنه ينتقد المبالغة في شراء المواد الغذائية بما يزيد عن حاجة الأسرة خاصة تلك المواد التي قد لا تستطيع استخدامها في غير شهر رمضان. ورأى أن رمضان يمكن أن يظل شهراً للتقارب الأسري، حيث يجمع الأسر على مائدتي الإفطار والسحور، لكن قد يكون أثره أكبر مع بعض الاقتصاد والترشيد. معدلات الاستهلاك السعودي ووفقاً لاختصاصية التغذية العلاجية أمينة الحرشني فإن دول الخليج العربي تشهد تزايداً في معدلات الاستهلاك الغذائي. ولفتت إلى أن تقريراً اقتصادياً أصدره مصرف «ألبن كابيتال» الاستثماري، أكد أن الاستهلاك الغذائي في المنطقة سوف ينمو بمعدل سنوي مركب تبلغ نسبته 3.1% في الفترة ما بين 2012 و2017 ليصل إلى ما قيمته 49.1 مليون طن متري من المواد الغذائية بحلول نهاية العام 2017. وعزا التقرير هذه الزيادة إلى النمو السكاني السريع في دول مجلس التعاون الخليجي وزيادة عدد السياح الأجانب فضلا عن ارتفاع مستويات الدخل في المنطقة. وأشار التقرير في السياق ذاته، إلى أن المملكة العربية السعودية تأتي في المقدمة بما يقرب من 60% من إجمالي استهلاك المواد الغذائية في المنطقة. مخاطر صحية واستناداً إلى هذا التزايد الملحوظ في الاستهلاك الغذائي للفرد، مع توفر سبل الراحة والرفاهية، ترى الحرشني أن ذلك رفع معدلات الخطر على الصحة حيث زادت نسبة الإصابة بالسكري وأمراض القلب والكلى والسمنة ومتلازمة الأيض وغيرها من الأمراض المرتبطة بسوء العادات الغذائية في المجتمع خاصة في شهر رمضان، حيث يفضل كثيرون الموائد المكتظة بالأطعمة غير المفيدة والزائدة عن حاجة الجسم إضافة إلى الابتعاد عن ممارسة الرياضة. ولفتت إلى أن كثيرا ًمن الأفراد يزداد وزنهم بالتزامن مع شهر رمضان، رغم أن ساعات الإمساك عن الطعام في الغالب لا تزيد عن تسع ساعات، حيث تكثر المقليات والمشروبات والسكريات على الموائد الرمضانية ويتجاهل الصائمون السعرات الحرارية. ودعت إلى ترشيد تناول الطعام عملاً بالآية الكريمة «وكلوا واشربوا ولا تسرفوا» وكذلك بما أوصى به النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال «ثلث لطعامك وثلث لشرابك وثلث لنفسك»، وهو ما يتلخص في العادات الغذائية الصحية، التي يجب أن تصل ذروتها في شهر رمضان المبارك، الذي نعتبره فرصة سانحة لتعديل العادات الغذائية، وذلك بزيادة تناول الفواكة والخضراوات والألياف واستبدال المشروبات بعصائر طبيعية طازجة وممارسة الرياضة وترك الوجبات السريعة.