تظل المغالاة في الأسعار والإسراف الاستهلاكي نفس المشكلة التي تؤرق الأسر في كل عام وتجعلهم يضعون ميزانية قبل حلول شهر رمضان بعدة أشهر، فهذا الشهر يأتي بتعدد الوجبات لدرجة تصل إلى التبذير والإسراف، حيث يعادل الإنفاق على وجبة الإفطار في شهر رمضان قيمة الثلاث وجبات التي يتناولها المرء في الأيام العادية، وبالطبع فإن كل ذلك يرهق رب الأسرة ويحول رمضان من شهر عبادة إلى شهر تفاخر في الأطعمة: «عكاظ» كان لها عدد من الوقفات حول هذا الموضوع مع اختصاصيين في الاقتصاد والتغذية للتعرف على مرئياتهم بشأن الإنفاق الأمثل في رمضان. الإسراف وفشل الميزانية بداية ترى السيدة فتحية سالم أن كثيرا من الأسر تأخذ زيادة كميات الطعام في وجبة الإفطار بالذات عادة، وإن كان معظم الطعام لا يؤكل، ولكن لا بد أن تكون سفرة الطعام مليئة بأنواع متعددة، سواء احتجنا لها أم لا وهذه عادة سيئة مسؤولة عنها الأم بشكل مباشر. والواجب عليها لتجنب هذا السلوك غير الرشيد أن تصنع نوعين أو ثلاثة من الطعام وبكميات قليلة تكفي حاجات الأسرة، فمن المؤسف أن نجد أسرة من أربعة أو خمسة أشخاص تصنع طعاما يكفي لتسعة أشخاص، فمن هنا يأتي التبذير والإسراف. نصف الميزانية في سلة القمامة ومن جانبها قالت السيدة سارة عبد المجيد: إن لديها زوجا لا يقبل بأي نوع من الطعام على مائدة إفطار رمضان، فأقل ما يصنع ستة إلى سبعة أنواع رغم أن أسرتها مكونة من اثنين بالغين وطفل عمره عامان، ورغم ذلك تتكدس المائدة بأنواع عديدة من الطعام الذي لا يؤكل ربعه وبعض الأنواع تظل كما هي لا أحد يأكل منها وإذا صادف أن دق مسكين فنعطيه الباقي وإذا لم يأت أحد يكون مصير هذا الطعام سلة المهملات، وبعد الإفطار يأتي دور السحور الذي لا يقل عن أربعة أنواع من الأطعمة ويأتي نصف رمضان ويكون الراتب قد نفد، وهنا يبدأ زوجي في كيل وتوجيه اللوم لي على ما يصفه بأنه إسرافي في الطبخ وعدم تدبير شؤون المنزل. وإذا صنعت صنفين على الإفطار تنشأ مشكلة كبيرة رغم أن طعامه قليل. وقالت السيدة ريم خالد: إنه من الطبيعي أن تشكو بعض العائلات من الإنفاق المرتفع في شهر رمضان وهذا يعود إلى العادات السيئة التي تنهجها الأسر في رمضان في إعداد الوجبات، فتتعدد أنواع الأطعمة على سفرة الإفطار والسحور وهذا الطعام لا يتناول في السحور بل يعمل طعام جديد كل ذلك يرهق ميزانية الأسرة. وتضيف: إنني لا أعاني من هذه المشكلة، فرغم أن أسرتي تتكون من ثمانية أشخاص إلا أننا لا نعاني من إرهاق الميزانية الخاصة بشهر رمضان، فأنواع الطعام كثيرة على وجبة الإفطار إلا أنها هي نفسها في وجبة السحور ولذا لا نشعر بمعاناة الآخرين. لكن السيدة إفراج محمد تقف في صف المبذرات وتقول: إن ميزانية شهر رمضان تعتبر لنا مرهقة جدا بالنسبة لزوجي، حيث يبدأ بترتيب هذه الميزانية قبل ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر على الأقل ولكنني لا أشعر بضجر لعدة أسباب: أولها أننا أسرة كبيرة مكونة من تسعة أشخاص، ووالد ووالدة زوجي يسكنان في الطابق الذي تحتنا ونحن نرسل لهم طعام الإفطار والسحور، كما أن لزوجي عادة حريص عليها، فطوال شهر رمضان يحضر الأطباق البلاستيكية ويضع فيها من جميع أنواع الطعام الذي أصنعه وماء ولبن ويحمله بنفسه ليعطيه للمحتاجين، هذا عوضا عن إفطار السائق الخاص بنا وبعض سائقي الجيران الذين يأتون لسائقنا ليفطروا معه، لذا أشعر أن زيادة ميزانية شهر رمضان في هذه الحالة في مكانها ولو أنفق ضعفي ما ينفقه فلن أعاتبه، هذا بالإضافة لمن يأتون من أسرتي وأسرته ليفطروا عندنا، فمن الطبيعي تزيد كمية الطعام ولهذا فهي تحمد الله أن طعامها لا يلقى أبداً في سلة المهملات لأن ما تبقى يذهب للمحتاجين. انتشار ثقافة الاستهلاك من جهته يرى أستاذ المحاسبة في جامعة الطائف الدكتور سالم باعجاجة أن شهر رمضان يعتبر موسما حقيقيا لتحريك النشاط الاقتصادي والتجاري، حيث يرتفع معدل الاستهلاك الشهري للأسر المسلمة ليصل إلى ما بين 30 في المائة إلى 50 في المائة خلال شهر رمضان، ما يثقل كاهل الأسرة المسلمة عن بقية شهور السنة والتي يتناول الفرد فيها ثلاث وجبات رئيسية، فالأسرة المسلمة في شهر رمضان تتناول وجبتين رئيستين إحداهما الفطور والتي تتنوع فيها المأكولات والمشروبات مما لذ وطاب، فسفرة الإفطار تتكون من التمر واللبن والسمبوسة والفول والحمص والكنافة والبسبوسة والشوربة والمشروبات المختلفة بمعدل ثلاثة أو أربعة أنواع من المشروبات بالإضافة إلى أنواع أخرى من الأطعمة تضمها وجبة الإفطار، وهذه الوجبة تكلف أكثر مما تكلفه الوجبات الثلاث في الأيام العادية، هذا بالإضافة إلى وجبة السحور وهي عادة تضاهي وجبة الغداء في الأيام العادية، وتعتبر هذه عادات استهلاكية اعتاد عليها الأفراد وأصبحت جزءا من طقوسهم الثابتة خلال الشهر الكريم ولهذا فإن الفاتورة الاستهلاكية لشهر رمضان في المملكة العربية السعودية تقدر بحوالي 15 مليار ريال سعودي، وهو مبلغ كبير جدا إذا قورن بالأشهر العادية. ويلعب انتشار الأسواق التجارية الكبرى في المدن الرئيسية والتي تحوي أنواعا من الأطعمة المختلفة دورا كبيرا في الترويج لثقافة الاستهلاك، إذ تعتمد هذه الأسواق لتقديم خصومات كبيرة على كثير من بضائعها، فضلا عن طرح العديد من العروض الترويجية مثل «اشتري واحدا واحصل على الثاني مجانا» أو «اشتري اثنين بثمن واحد» وغيرها من الأساليب التي تغري الزبون بمزيد من الشراء، ولا يمكن إغفال الدور الكبير الذي تلعبه الإعلانات والدعاية والترويج لثقافة الاستهلاك وجعلها نمطا عاما في المجتمع، إذ تتم الدعاية للسلع والمنتجات في ظل غياب ضوابط وتشريعات منظمة. وينبغي للفرد المسلم الالتزام بآداب الأكل وهي أن تجعل بطنك ثلاثة أقسام «ثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للتنفس» وهذا معنى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي قال: «ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث للنفس» رواه أحمد والترمذي حديث حسن صحيح. وأضاف: يستحسن الاعتدال في الجسد وخفته لأنه يترتب على الشبع ثقل البدن وهو يورث الكسل عن العبادة، وإذا أكثر الإنسان من الطعام فإن ذلك سيؤدي إلى التخمة التي تسبب مشاكل صحية، فضلا عن تعارض هذا السفه الاستهلاكي مع الطابع الروحي والإيماني لشهر رمضان الكريم والذي تقوم فلسفة العبادة فيه على ضبط الشهوات لصالح نقاء الروح، ما يجعل الإنسان أكثر قدرة على أداء التكاليف والعبادات. تقليل معدل الادخار كما أن تأثير هذه الفلسفة يمتد ليشمل إضعاف معدل الادخار والذي يعتبر المقياس لقدرة الدول على البناء الذاتي لنهضتها واقتصادها وتوفير فرص أفضل للأجيال المقبلة. وأوضح الدكتور سالم أن المتوسط العالمي للادخار يبلغ 21 في المائة، ويرتفع إلى 29 في المائة في بلدان شرق آسيا، فيما يبلغ المعدل ذروته في الصين مسجلا 47 في المائة. أما المعدل لدى بلادنا الخليجية فلا يتعدى 20 في المائة على الرغم من تمتعها بمستوى دخل جيد. مؤكدا أهمية دور ربة المنزل فهي المسؤول الفعلي عن اقتصاد الأسرة في هذا الشهر فإذا عودت أفراد أسرتها فصنع نوعين أو ثلاث فقط بكميات غير مبالغ فيها على وجبة الإفطار ونوع واحد فقط على وجبة السحور مع وضع الفائض من وجبة الإفطار، سوف يوفر ذلك مبالغ كبيرة للأسرة وسوف يحظون بوجبات غنية واقتصادية في نفس الوقت. رأي اختصاصي التغذية وعن رأي اختصاصيي التغذية تقول نجلاء أحمد أخصائية تغذية: إن هناك عادات غذائية سيئة في شهر رمضان تخص الطعام، فإذا نظرنا إليها من الناحية الاقتصادية فهي مكلفة جدا حيث تفوق وجبة الإفطار فقط الثلاث وجبات في الأيام العادية، هذا عوضا عن وجبة السحور وهناك بعض العائلات تضع وجبة ثالثة بين وجبتي الإفطار والسحور ولا يمكن الخطأ في عدد الوجبات، حيث أن هناك كثيرا من الأفراد يأكلون بكميات قليلة في كل وجبة فثلاث وجبات تعادل لديهم وجبتين ولكن الخطأ في تكلفة الوجبات ونوعيتها، فنجد سفرة الإفطار تضم أنواعا من الأطعمة المكلفة ماديا والثقيلة على المعدة خاصة بعد صيام نهار كامل مثل المعجنات والمقالي المشبعة بالزيوت وأنواع الصواني التي تحتوي على أنواع اللحوم المختلفة وغيرها من الحلويات وهذا كله لا يصنع في المنزل بل يأتي بقدر كبير من المحال الخارجية فالإعلانات التجارية تساهم بشكل كبير في ترويج المنتجات والملاحظ أن 99 في المائة من الإعلانات هي للأطعمة، وللأسف فإن اللوم يقع علي الأب والأم، حيث يجب أن تكون الوجبة اقتصادية ومفيدة تحتوي على السلطة والخضار ونسبة من المعجنات غير المشبعة بالدهون والشوربة ذات القيمة الغذائية، ويكتفى بنوع واحد من أنواع الحلويات فكثرة الأطعمة يمكن أن تسبب تلبكا معويا وزيادة الدهون واللحوم تزيد نسبة الكولسترول وكثرة الحلو يمكن أن تصيب الفرد بالسكر أو تزيد نسبة السكر لمن يعاني من مرض السكري، وعلى الجميع أن يقتنع أن في الصوم معالجة ربانية من الله تعالى للمعدة ومن الخطأ معالجة هذه الحكمة بتكديس المعدة بالطعام، ما يؤدي إلى ضرر محتم، فالمشكلة مادية وصحية . وتؤكد أنه يمكن لربة الأسرة الحصول على وجبة كاملة صحيا واقتصاديا ومتنوعة ترضي جميع أفراد الأسرة بتكلفة معقولة لا ترهق كاهل ميزانية الأسرة.