لماذا لم يستجب الدكتور محمد مرسي لانتخابات مبكرة؟! بل لماذا لم يبادر إليها لاحتواء الثورة عليه في 30 يونيو؟! إن الافتقاد لبرلمان منتخب يمارس صلاحياته الدستورية المفترضة بما فيها نزع الثقة من الرئيس والدعوة لانتخابات رئاسية، هو ما جعل مرسي وحده يتحمل الإخفاق في البحث عن مخرج مدني يتفادى به تدخل الجيش. والعجيب أن مرسي نفسه في خطابه المطوَّل مساء 26 يونيو الذي استقبل به دعوات التظاهر ضده كان واعياً بالعلة التي تسببت في امتلاء ميادين مصر بالمتظاهرين المعارضين له والمطالبين بإسقاطه، ومشيراً إليها باعترافه أنه اقترف أخطاء، وهو اعتراف شجاع وصادق لكنه ارتبط بما يتناقض مع مقتضياته، وهو رفض مرسي الصارم – في الخطاب نفسه – التنازل عن الفترة الباقية في رئاسته وتكراره التمسك بها ولو ذهبت روحه! لا أحد ينازع محمد مرسي دستورياً في حقه في البقاء في الرئاسة الفترة الانتخابية المتبقية له، لكن كلفة هذا البقاء أمام تظاهرات الشارع كانت باهظة. وهي كلفة لم يحسب حسابها مرسي وهو يعلن الإصرار على البقاء، حيث أصبحنا أمام رئيس لا يبحث عن مشروعيته في الشعب الذي اختاره وهو الآن يتظاهر لإسقاطه، وإنما في الدستور الذي يستحيل أمام الثورات الشعبية إلى حبر على ورق. وهذه الحالة هي ما استدعت قراءة تحليلية متداولة على نطاق واسع تجرِّد مرسي من المسؤولية وتحيلها على جماعة الإخوان التي رأت في سلطة أحد أعضائها سلطة لها، فلم يكن مرسي يفعل أو يقول لمقتضيات موضوعية أو بحسابات مسؤوليته وحرية ضميره، بل كانت الجماعة تقول وتفعل من خلاله. ولذلك لم تر جماعة الإخوان -من هذه الوجهة- في سقوطه سقوطاً لخيار لم يكن موفَّقاً أو لم يكن بالجدارة والحنكة والمقدرة المطلوبة، بل رأت فيه سقوطاً لها وتآمراً عليها! وهذا هو ما ألغى المسافة تماماً بين مرسي والجماعة فخرجت إلى التظاهر والاعتصام والتصادم. ويمكن للمرء بتجرد وحياد أن يقرأ في احتشاد الإخوان وأنصارهم أمام جامع رابعة العدوية للتعبير عن رفضهم لإسقاط مرسي، معاني نقضهم لقواعد اللعبة التي استلموا بموجبها السلطة، وأمارات ضعفهم السياسي. فقد كانت خطبة مرشدهم محمد بديع وخطبة نائب حزبهم عصام العريان وغيرهما من زعمائهم طافحة بالاستعلاء وتجريد خصومهم من الدين ونبذهم بالخيانة والدعوة إلى العنف الذي جاء مكنوناً في عبارات التضحية والفداء لإعادة مرسي إلى كرسي الرئاسة. وزاد في شحن الجو عاطفياً الدروشة الوعظية الإخوانية التي اختلقت رؤى منامية صلى في إحداها جبريل مع حشد الإخوان في جامع رابعة، وقدَّم الرسول (صلى الله عليه وسلم) محمد مرسي –في أخرى- للصلاة به وجمع من الصالحين…إلخ! بعض الذين يتعاطفون مع الإخوان، يأسفون لتكشُّف سطحيتهم السياسية مبكراً! ويأسفون أكثر لأنهم مكوِّن وطني مهم لإحداث توازن وتنوع سياسي مدني، في وقت يبدون بصلابتهم أقرب إلى الانزياح إلى الهامش أو إلى تثوير عنف طالما استمرأته جماعات دينية ذات جذور في أدبيات الإخوان! وأتصور أن اللحظة الحاضرة، التي يجدر بالإخوان تصحيح وعيهم على ضوئها، تشير إلى مخاض للديموقراطية في مدار الاختيار والنسبية والحرية، وفهم السياسة بمنطق المهارة والإمكان، والمراهنة على حل أزمات الناس المعيشية، واحتواء اختلافهم وتعددهم.