في 9 ديسمبر 2011 نشرت مجلة ساينس العالمية الشهيرة تقريراً يدين جامعتي الملك سعود والملك عبدالعزيز، ويتهمهما بشراء التميز الأكاديمي للصعود في التصنيفات العالمية للجامعات. مجلة ساينس هي المجلة ذاتها التي يعتمد تصنيف شانجهاي العالمي كمية الأبحاث المنشورة بها كأحد أهم مقاييس الجودة الأكاديمية للجامعات العالمية، وهو التصنيف نفسه الذي تلهث وراءه جامعة الملك سعود. أي إن سعي الجامعة الحثيث للرقي في تصنيف شانجهاي هو اعتراف ضمني بقيمة مجلة ساينس، بل إن الجامعة وعدت بمكافآت مادية مجزية لمن ينشر في هذه المجلة، فمن المفارقات العجيبة إذاً أن تنكص إدارة الجامعة على عقبيها، بعد نشر التقرير، محاولة التقليل من شأن المجلة، واتهامها بالتجني عليها. حسناً، فلنفترض جدلاً أن مجلة ساينس يمكن لها أن تضحي بسمعتها ومصداقيتها في سبيل التشهير بجامعة الملك سعود (وجامعة الملك عبدالعزيز)، يظل السؤال قائما، ما هو هدفها من المقامرة بمركزها المرموق للنيل من هاتين الجامعتين؟من أطرف التبريرات التي قرأتُ هو أن هناك قوة غامضة تعض أصابعها من الغيظ بسبب النهضة العلمية المفاجئة في هاتين الجامعتين، هي التي حرضت ساينس على نشر التقرير المسيء. لكن من تراها تكون هذه القوة الشريرة التي تعمل في الخفاء للإطاحة بالجامعتين؟ بعد مرور الوقت الكافي من التشويق والترقب، تم كشف النقاب عن هذه القوة الملعونة، إنهم اليهود! أي نعم، فاليهود هم بمثابة الشماعة التي تعودنا تعليق فشلنا وإخفاقاتنا عليها، فاليهود يمكن إلقاء اللوم عليهم بخصوص أي أمر نريد التنصل من مسؤوليته، فلمَ لا نلومهم إذاً على الفضيحة العالمية التي فجرتها ساينس؟ مع الأسف الشديد، يوجد خلل كبير في هذه النظرية المستهلكة، فاليهود من ضمن العلماء الذين اشترت ذممهم الجامعة! فإذا كان التقرير يسيء إلى علماء يهود (وغيرهم) ضمنياً، فكيف يقف اليهود خلف التقرير؟ إذاً لابد من وجود سبب آخر غير هذا الذي يحاول أن يروج له بعض المدافعين عن الجامعة.وكأن اتهام اليهود في سبيل التهرب من المسؤولية لم يكن كافياً، تم التلميح إلى أن الدكتور محمد القنيبط هو من يقف خلف فضيحة ساينس، بل إن الفجور في الخصومة بلغ حد التهجم على شخص الدكتور محمد القنيبط في مقال نشرته الجامعة في صحيفتها بتاريخ 31 ديسمبر 2011، حيث زجّ كاتب المقال باسم عائلة القنيبط الكريمة في هذه المعمعة، بابتداعه مصطلحاً جديداً «القنبطة»! إدارة الجامعة تدرك جيداً أن القنبطة وسام يحمله كل الشرفاء، وإن كان القليل منهم يجرؤ على إشهاره. فكثير هم القنابطة في حرم جامعة الملك سعود، لكنْ قليلٌ جداً منهم من يستطيع البوح بما لديه من معلومات دون غطاء حكومي يضمن لهم عدم التضييق عليهم، وألّا خوف عليهم ولا هم يحزنون. بعيداً عن ترهات نظرية المؤامرة والتنابز بالألقاب، الحقيقة هي أن ساينس وغيرها من المجلات العلمية تحارب شراء الأبحاث منذ القدم. بل إن الكثير من المجلات العلمية تضع تحذيرات حول إدراج أسماء باحثين في المقالات العلمية دون أن تكون لهم إسهامات علمية حقيقية. أي إن هذه الممارسات الشائنة موجودة في عالم البحوث، ولم تبتدعها إدارة جامعة الملك سعود، وإنما الجامعة فقط أغوت الباحثين للوقوع في المحظور، فأخذت مجلة ساينس على عاتقها تلقين الجامعة درساً أمام العالم؛ لترتدع الجامعة، وليرتدع الباحثون المتورطون في هذه الأعمال. فلم يشهد التاريخ هذه الظاهرة على مستوى مؤسساتي ضخم من قبل، فكان لابد إذاً من تصدي المجلة العلمية العريقة لموجة التسونامي المدمرة التي أطلقتها جامعة الملك سعود في عالم الأبحاث. وعلى الرغم من كل ما فعلته الجامعة، كانت مجلة ساينس رؤوفة جداً بها، فقواعد البيانات للأبحاث تفضح ما هو أكبر بكثير مما ورد في تقرير ساينس. فالمجلة لم تورد سوى اسم الدكتور خالد الرشيد (من قسم علم الحيوان) كمثال على أحد منسوبي الجامعة ممن ارتفع إنتاجه البحثي بشكل حاد ومفاجئ، بينما قواعد بيانات أبحاث ال(آي إس آي) تكشف المزيد من الأسماء. فلو رسمنا بيانياً كمية أبحاث الدكتور سالم الذيابي مثلاً (أحد منسوبي جامعة الملك سعود من قسم الكيمياء)، لرأينا الفرق الهائل في إنتاجه البحثي خلال العامين المنصرمين، مقارنة مع ما سبقهما من سنوات في عمره الأكاديمي المديد، وهنا يمكن الوصول إلى أحد احتمالين لا ثالث لهما؛ إما أن يكون الدكتور سالم قد تلبسه عفريت من الجن، ممن يقطنون وادي عبقر، فأخذ يلقنه من علم الكيمياء ما لم يستطع عليه كل هذه السنين، أو أن الجامعة اشترت هذه الأبحاث من خلال تمويلها أو دفع المال مباشرة للباحثين ليدرجوا اسم دكتورنا العزيز فيها. إلا أنني أشك أن هناك عدداً كافياً من عفاريت عبقر ليتلبسوا الكثير من منسوبي الجامعة ممن حققوا وثبات جبارة ومفاجئة في أبحاثهم في علم الكيمياء والأحياء والحاسب والصيدلة وغيرها من العلوم؛ فلذا أجدني مضطراً لترجيح الاحتمال الثاني. السعي نحو الاقتصاد المعرفي هو قرار حكيم بذلت حكومة المملكة في سبيله الكثير من المال، ولم تبخل بشيء على مؤسساتها الأكاديمية في سبيل التهيئة لبنائه، إلا أن إدارة جامعة الملك سعود لم تحقق ثقة الحكومة، وعلى رأسها الملك، بسنها سنة سيئة تبعتها جامعة الملك عبدالعزيز، ونتج عنها فضيحة على مستوى عالمي لا يمكن تداركها، وإن كان يجب استغلالها والاستفادة منها. فإن لم تنجح الفضيحة العالمية في تقويم العوج الشديد في المنهج الذي انتهجته الجامعة في سعيها نحو الاقتصاد المعرفي، فإنها ستكون كمن أسس بنيانه على شفا جرف هارٍ، فانهار به. فلا أخطر من اكتشاف خواء البناء الذي تبنيه الجامعة عندما نكون في أمسّ الحاجة إليه. فنداء الواجب إذاً يملي على أكاديميي الجامعة ممن لا يرضون خيانة ثقة الملك، أن يصرحوا بكل ما لديهم من معلومات لكشف ستار الحقيقة كاملة مهما قبح وجهها!