لا تزال السينما السعودية مثاراً للشد والجذب بين المؤدين لها وبين آخرين يضعونها في إطار الحرام و الممنوع، ووسط كل هذه التجاذبات أخذت السينما في السعودية مسارات ضيقة من العروض اقتصرت على عروض خفية أو عروض تقع تحت وطأة هجوم بعض المحتسبين، وقد عُرضت خلال الضيف الجاري عدد من الأفلام السينمائية بعضها في مواقع محدودة وأخرى في نطاق أوسع وأشمل، لعل من أبرزها فيلم «هيفاء» الذي أطلقه مجموعة شبان سعوديون موهوبون خلال فعاليات صيف هذا العام في منطقة عسير، وأثار جدلاً واسعا وإنكارا كبيرا من قبل بعض المحتسبين الذين طالبوا بإيقافه قبل انتهاء حلقاته بحجة وجود «ممثلة» قامت بدور «المرأة العسيرية» بالإضافة لاحتواء بعض فقرات الفيلم على الموسيقى، و كان الفيلم يهدف إلى تعريف السائح والمصطاف بتراث وثقافة المجتمع العسيري والجنوبي بطريقة شيقة جذابة، وقد عرض «هيفاء» في صالة الملك فهد الثقافية بالمفتاحة بواقع ثماني حلقات من أصل عشر بعد أن صدر توجيه هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بإيقافه وكانت مدته 20 دقيقة لكل حلقة، واعتبر بعض الشرعيين أن التغريب يفرض السينما في بلاد التوحيد والعقيدة والحرمين، فيما رفض البعض الآخر الحكم على ذلك الأمر بالتغريب والتحريم دون النظر لما يعرض. الشرق التقت بعض أبطال فيلم «هيفاء» لإيضاح حقيقة ما حدث بالإضافة لمناقشة حال السينما ومستقبلها في المملكة من عدة جوانب مع عدد من المختصين لإيضاح متى يلزم الحكم بجوازها أو تحريمها ومحاربتها في هذه السطور.. عمق تاريخي يقول كاتب نص «فيلم هيفاء» عبدالرحمن أحمد عسيري «استوحيت نص الفيلم من نافذة العمق التاريخي للإنسان العسيري الذي يؤمن بأن المكان هو جذره وكينونته والمرأة شريكته في الفعل والحضور والمكان.. لكن الأيدي الظلامية التي اعتدنا على أفعالها تحاول تصوير الإنسان العسيري على أنه سطحي لا يحمل تاريخا حضاريا». ثقافة المجتمع وتحدث المخرج محمد قائلاً «إن من يدعي أن الفيلم تم عرضه في أجواء مختلطة يجب أن يراجع نفسه ، لأن الفيلم كان يعرض عدة مرات يومياً، وكنا نقوم بتقسيمها ما بين عروض للعائلات فقط وعروض للشباب فقط، والصور التي تناقلت عن أن المسرح فيه اختلاط هي صور توضح حضور العائلات دون غيرها، وكان العرض يصوِّر ثقافة المجتمع العسيري الأصيل، وقد كنا ملتزمين بثقافته الدينية ولم ندخل عليه أي إضافات خارجيه لتحسين الحبكة الدرامية سوء فهم و أوضحت الممثلة التي قامت بدور «هيفاء» أفنان فؤاد «الفيلم لم يتعد حدود ومعايير الدين وسقف عادات مجتمعنا على العكس كان الفن بأسمى رسالته في فيلم هيفاء حيث إنه أظهر جماليات المنطقة وزاد آفاق الناس بمعرفتهم بماضي أبها وعراقتها والأشخاص الذين اعترضوا على الفيلم لم يكونوا من أي جهة رسمية وقد يكون تصرفهم نتيجة سوء فهم أو حكم مسبق على الفيلم قبل مشاهدة محتواه». مضيفة «أنا وكل القائمين على الفيلم حريصون أشد الحرص على قيمنا وعاداتنا وتقديمها بشكل يليق بالمشاهد ولا يخدش قيمنا الأصيلة أبدا». 3 شروط واشترط عضو مجلس الشورى القاضي الدكتور عيسى الغيث جواز فتح قاعات السينما بثلاثة شروط هي: أن تكون المادة المعروضة شكلاً ومضموناً مجازة شرعاً. وأن يكون دخول الحضور وجلوسهم بطريقة مجازة شرعاً. وألا يكون العرض في أوقات الصلاة. بالإضافة للموافقة القانونية من الجهات المختصة. صناعة السينما وقال رئيس جمعية الثقافة والفنون سلطان البازعي « هيفاء فيلم تسجيلي يحكي عن منطقة عسير وما علمته أنه كان هنالك احتجاج بسبب أن العرض كان مفتوحاً للعائلات، أما عن صناعة السينما فهي تختلف حيث هنالك «السينما الروائية « القصصية التي تحتاج صناعة كاملة وكوادر ومختصين في فروع مختلفة و طاقم عمل كبير فلا يكفي وجود مخرج أو مصور فقط، ولكن هنالك فريقا متكاملا يصنع الفيلم، كما تحتاج صناعة السينما لمنافذ للتوزيع بوجود دور العرض المجهزة وهذا لا يتوفر لدينا، ولكن يتوفر في الجانب الآخر المؤهلين و الموهوبين القادرين على انتاج اعمال سينمائية وهؤلاء يمكنهم العمل على عدة أعمال سينمائية كالوثائقية والتسجيلية أفلام فردية وأكد المخرج ممدوح سالم أن السينما السعودية لم تخرج من عمق الزجاجة لأن كون ما يقدم من صناعة أفلام تظل أفلام فردية ، تقوم على عدد فردي بسيط، وقال «حتى مشاركاتنا في مهرجاناتنا السينمائية سواء على مستوى منطقة الخليج أو المستوى العربي والدولي تكون دائما أفلام قصيرة ، وصناعة فردية ذاتية» ، وأضاف «نحن حتى الآن لا نمتلك بنية تحتية لصناعة السينما لأن السينما «صناعة» ولكي نكون على أول الطريق للسينما لابد من توافر طلبات أولها :أن يكون لدينا أكاديمية تقدم ورش عمل في التعليم والتدريب في مجال السينما ولكن ما نقدمه الآن هو اجتهاد من خلال اطلاعنا على الأفلام ومن خلال التحاقنا ببعض الدورات خارج المملكة وما نقدمه الآن حتى وإن كان به «حرفية» فإنها تظل حرفية «ناقصة» لأنها عبارة عن مجهود «ذاتي» لا تعتمد على عمل مؤسس احترافي وأكاديمي، وأضاف: أيضا مسألة التمويل تُعد جانباً مهماً في صناعة السينما، فحتى الآن لا يوجد أي جهة لتمويل الأفلام سواء كانت قصيرة أو طويلة، أيضاً وجود غياب في دور العرض السينمائي، وقال ممدوح :كما أنه لابد أن يكون هنالك ابتعاث في الفنون أسوة بالابتعاث الذي يختص بمجالات معينة كالقانون والاقتصاد والهندسة والطب وغيرها لنتمكن من إيجاد فن راق . تجارب هواة وبيّن المخرج السعودي عبدالخالق الغانم أن السينما السعودية اعتمدت على تجارب الهواة، وقال «ينقصنا عنصر التشجيع والدعم من قبل وزارة الإعلام فيجب أن تأخذ الأمر على محمل الجد في دعم هذه الطاقات الشبابية كما أننا بحاجة لتطوير هذه الحركة السينمائية، فبدون الدعم والمناقشة واحتضان هذه الطاقات تظل تجارب هواة. وأضاف «نرغب في تحويلها من مجرد تجارب هواة إلى أعمال «احترافية» ترعاها وزارة الأعلام بمواصفات متطورة بالإضافة لعقد دورات وفتح معاهد متخصصة لأن السينما تعتبر «لغة عالمية ،لغة لنقل حضاراتنا وتراثنا وأيضا هي نقاش للواقع الاجتماعي الذي نتعايش فيه ، وأضاف الغانم « مع مثل هذه التجارب البسيطة والمتواضعة أمنى أن يكون هنالك مهرجان على مستوى كبير لاستقطاب كل هذه الطاقات بالإضافة إلى الطاقات العربية والخليجية، بحيث نضع قدمنا في الموضع الصحيح باتجاه العمل السينمائي، فلدينا طاقات باستطاعتها أن تصنع وتقدم شيئاً فمستقبل السينما يبشر بالخير لأن الشباب ورغم كل الصعوبات التي نمر بها إلا أنه قدم تجارب تستحق الاحترام والتقدير فسيأتي يوما تكون لدينا سينما جادة وواعية ». مجال رائج وقال الخبير الاستراتيجي الدكتور مشعل العلي «السينما منتدى له رواده يقضي به الإنسان جزءاً من وقته وأنا ضد أن يحكم عليه سلفا وها هي نشاهدها في كثير من الدول والأماكن و فيها المناسب والغير المناسب ولكن وجود المسرح والسينما وما إلى ذلك تحت مظلة ما يتناسب مع المجتمع وما هو متناسب مع العادات والقيم سيكون لها مجال رائج وجميل ولكن يجب قبل وجودها من التثقيف لوجودها أو عدمه «. صناعة مكلفة ويرى الكاتب المسرحي فهد رده، أن السينما صناعة مكلفة جدا ولها دور عرض وجمهور وليس لدينا من يصنع السينما ولا دور عرض لتعرض بها هنالك اجتهادات كثيرة لكنها لا تؤسس لصناعة سينما حقيقية، لو صنعت السينما هل لدينا دور عرض؟ إذن المحصلة لا سينما لدينا». نهج إعلامي وشدد الكاتب التليفزيوني والإذاعي والمسرحي والقاص سعد الدهش على ضرورة فتح دور سينما لإيجاد أرضية للعمل السينمائي وقال «نحتاج إلى تغيير نهج إعلامي لا طرح تجارب يتيمة بمعنى قناعة المسؤولين عن أهمية السينما ومن ثم يبدأ الإنتاج وما يترتب على ذلك من دعم والأهم هو الإيمان من قبل المسؤولين بأهمية الثقافة والفنون والآداب ومنها السينما، والمشكلة تبقى فكرية تنبع من أيدلوجية المجتمع وأظن أن هنالك من لا يؤمن بوجود السينما مهما كانت مبرراتها. عدم اعتراف وحاولت الشرق الحصول على رأي الفنان عبدالله السدحان حول السينما السعودية إلى أنه رفض التعليق قائلا «عندما يصبح معترفا بالسينما من الجميع فسيكون لي تعليقا حينها».