شهد العام 2003 بداية المرحلة الأولى من برنامج خادم الحرمين للابتعاث حيث ابتعث عشرات الآلاف من الطلاب والطالبات السعوديين للدراسة في الخارج بعد توقف دام طوال فترة التسعينيات الميلادية وكان مطلع الثمانينيات قد شهد ارتفاعاً في عدد المبتعثين ليبدأ في التقلص عام 1986حتى اختفى مطلع التسعينيات، الباحث والمتخصص في شؤون علم الاجتماع في معهد شرق الوطن العربي للأبحاث والدراسات الاجتماعية في ويلز ببريطانيا فايز الخالدي أنهى دراسة اجتماعية عن المتغيرات السلوكية التي حدثت لجيلي الابتعاث الأول والثاني، شرح تفاصيلها في الأسطر التالية: جيلا الابتعاث يقول الخالدي عن موضوع دراسته «إن موضوع البحث يختص بالجيلين في مرحلة الابتعاث الكبيرة الأولى من عام 1980وحتى 1986والمرحلة الحالية التي بدأت2003 حتى 2012، وذلك من ناحية السلوكيات الاجتماعية مؤكداً إجراء مسوحات ميدانية على عينات من المبتعثين عن طريق الالتقاء المباشر بهم وأولياء أمورهم وأعضاء هيئة التدريس والمرشدين الأكاديميين في الجيلين إضافة إلى استعانته بما نشر في وسائل الإعلام سابقا عنهم والتغيرات السلوكية التي طرأت عليهم. تفكك اجتماعي وأضاف الخالدي «تكشف الدراسة عددا من المحاور عن جيل الابتعاث الأول أهمها أن الجيل الأول تميز بالتفكك الاجتماعي وعدم التواصل مع باقي المبتعثين بسبب ضعف وسائل الاتصال وقلة أعداد المبتعثين إضافة إلى أن غالبية أولياء أمورهم غير متعلمين أو أن تعليمهم دون المأمول، كما أنهم غير مطلعين ولا يوجد لديهم حصانة داخلية بسبب ضعف وقلة المعلومات». تغيرات سلوكية وبحسب الدراسة فإن هذه المحاور أدت إلى تغيرات سلوكية أهمها انخراط المبتعثين بشكل كبير مع المجتمعات المحلية، والتحدث بلغة الدول التي يدرسون فيها بطلاقة، وظهور حالات من النقمة على الوضع الاجتماعي السعودي من قبل المبتعثين وظهور دعوات منهم لإحداث تغيرات ضد الأعراف والتقاليد السعودية في الملابس والأطعمة والحياة الاجتماعية، وظهور حالات من التأثر بالأفكار الإلحادية وإن كانت لفترات محددة تظهر وتختفي وتأثيرها محدود، كما أن عددا من مبتعثي ذلك الجيل كانوا يتعاملون مع المجتمع بفوقية ويعتبرون تعليمهم عاليا، وظهور عدد من المبتعثين يتحدثون بمصطلحات باللغة الإنجليزية، وكان عدد من المبتعثين لا يحرصون على أداء العبادات الإسلامية أو يتكاسلون في أدائها في بلاد الغربة بسبب قلة الجاليات الإسلامية وانعدام وجود المساجد كما أنهم كانوا يطمحون في وظائف عالية ومميزات وظيفية كبيرة». معالجة التغيرات وتذكر الدراسة البحثية أن المجتمع كان يعاني من التغيرات الكبيرة التي تطرأ على المبتعثين فور عودتهم وتصرفاتهم التي كانت يومها حديث الناس والمجتمع حتى أن وسائل الإعلام باتت تعالج التغيرات هذه من خلال الأعمال الدرامية والمسرحيات وفي الصحف والبرامج التليفزيونية والإذاعية كاشفا أن وسائل الإعلام قد نجحت في إعادة المبتعثين للتعايش مع مجتمعهم وأقنعتهم أنه ليس كل ما يوجد في بلدان الغرب يتناسب مع المجتمع السعودي، وتفيد الدراسة أن جيل الابتعاث الأول ساهم في نشوء الحركة التنموية الكبيرة التي شهدها الوطن وأنه ظلم كثيرا بسبب ضعف المستوى العلمي لأولياء أمورهم وضعف مستوى المرشدين الطلابيين وغياب وسائل الاتصال والتواصل. ظروف أفضل وتؤكد الدراسة أن الجيل الثاني حظي بظروف أفضل من سابقه ساهمت في الحفاظ على استقراراه أهمها: وجود وسائل التواصل والاتصال بشكل كبير ومباشر وقوي مما جعل السعوديين المبتعثين يعيشون كفريق واحد عززها كثرة أعداد المبتعثين وقوة الوزاع الديني بسبب انتشار وسائل الإرشاد والتوجيه وقوة الحركة التعليمية والتربوية السعودية وكان غالبية أولياء الأمور على مستوى عال من التعليم وساهموا في الرفع من مستوى الوعي والإدراك لأبنائهم. اعتزاز بالوطن وتعود الدراسة لتذكر أن هذه المحاور والمعطيات أدت إلى مكتسبات مهمة للغاية حققها المبتعثون الجدد وهي: اعتزاز المبتعث بوطنه ودينه في بلاد دراسته، ونقل حياة المجتمع السعودي إلى بلاد الغربة بسبب المجموعات الطلابية فالسلوكيات الدينية والغذائية لم تتغير وكذلك الملابس السعودية كانت حاضرة، وكذلك الحرص على ممارسة العبادات وعززها انتشار أعداد المساجد وتوسع الجاليات الإسلامية ووجود المجموعات الطلابية الكبيرة والوعي الديني المرتفع ولم يحدث أي تغير في تصرفات المبتعث السعودي لدى عودته للوطن فتعامل مع واقع المجتمع وفق الأعراف المجتمعية والعادات والتقاليد، كما أن المبتعث الجديد يتعامل مع واقعه الاجتماعي وفق الموجود فلم يطمح بمميزات أو وظائف علياء كما أنهم يحرصون على إحياء المناسبات الدينية والاجتماعية في بلاد الغربة كشهر رمضان وعيدي الفطر والأضحى وعلى إحياء المناسبات الوطنية أبرزها الاحتفال باليوم الوطني في الجامعات والسفارات .