بسيط لدرجة أن من يراه يستبق الحكم عليه عجلاً بما رسخه الإعلام -سلباً- عن الشخصية «الصعيدية»! مع ذلك هو «جدع» وشجاع وصبور وحليم لأبعد حد! لباسه بسيط ومع ذلك فهو أنيق ويبدو أصغر سناً من عمره الذي يقارب الخمسين! تعرّفت عليه عندما كنت أعمل في «كبينة اتصال» بجدة قبل 13 سنة من الآن! كان يأتي للاتصال بعائلته؛ وما أثار استغرابي أنه بالرغم من حضوره اليومي إلا أنه لا يتصل سوى مرتين أو ثلاث ومن «كبينة اتصال» محددة! حرّضني فعله ذاك لسؤاله فابتسم وشرح لي الأمر ببساطة بأنها «شيفرة» خاصة بينه وبين العائلة! فهم وبمجرد رنين الهاتف لا يرفعون السماعة إلا لأمر طارئ؛ خلاف ذلك يتركون الهاتف يرنّ حتى ينقطع الخط في حال كانت الأمور «تمام» ضماناً للتوفير! فإن أغلق الخط واتصل مرّة أخرى في نفس اللحظة فيلزمهم الرد! مع ذلك هو «يدردش» معهم باختصار في يوم محدد! ليس هذا وحسب، فهو كما يقول «بين نارين» لأنه متزوج باثنتين جمعهما في بيت واحد! قلت له مازحاً: أنت «سياسي» يا عم أحمد! قال: لو «بقت» آخر وظيفة في الدنيا «ما خذتهاش»! إنما «هقبل» لو عينوني في «السلك الديبلوماسي»! وضحكنا! في إحدى المرات جاءني على غير عادته حزيناً فسألته عن السبب فأجاب: أهلك هم أول من «يعاديك»! كان يقصد زملاءه في العمل وترصُّدهم له لعدم موافقته إيّاهم على استغلال العمل لتحقيق مكاسب ذاتية! مع ذلك ابتسم وقال: «حيعملوا إيه يعني؟ هيقتلوني؟ هخلص من شرهم وأروح لربنا! وهي فرصة ما أشوف «وشّهم» تاني! تلك كانت حكاية «أبو أحمد» باختصار؛ سردتها سلواناً عمّا يحدث ل»أم الدنيا» هذه الأيام؛ فهي تعيش «بين نارين»! في وقت هي أحوج ما تكون فيه إلى «جنّة ونعيم»!