إذا أردت الاتصال بالرقم (251) -مثلاً- فارفع السماعة بهدوء، وتأنٍ، وقرّبها من أذنك، فإن سمعت صوتاً يشبه «قرَّه» باستمرار فضع إصبعك على الرقم (2)، وأدره إلى الجهة اليمنى حتى نهايته -ارفع إصبعك ودعه يرجع إلى محله -، ثم أدر الرقم (5)، ثم الرقم (1) بالتتالي حسب الطريقة المذكورة. وبعد هذا إن سمعت «قرَّ» مرتين بصوت متوسط يتبعها وقفة بسيطة فذلك يعني أنك متصل بالشخص المطلوب، أما إذا لم يجاوبك أحد فضع السماعة محلها، ثم ارفعها وأعد الكرّة بنفس الطريقة, فإذا لم يتجاوب للمرة الثانية فاعلم أن الشخص «غير موجود»، أما إذا سمعت (تن..تن)؛ فمعنى ذلك أن الهاتف مشغول بمكالمة أخرى، ولا يتسنى لك الاتصال إلاّ بعد انتهاء تلك المكالمة- هذه كيفية الاتصال بالهاتف قبل عدة عقود!. أما كيفية الإجابة، فحينما تسمع جرس هاتفك «يدق» ارفع السماعة بهدوء، واذكر رقم هاتفك، وتجنّب كلمة (آلو) في بدء المحادثة، ولا تضع السماعة محلها إلاّ بعد الانتهاء من المحادثة، وبعد الانتهاء منها تأكد من وضع السماعة في مكانها (بالضبط) وإلاّ انقطع الاتصال معك. اعتقدوا أن «الشياطين تنقل الكلام» وخافوا من تنصت الجن على أسرارهم! تلك هي أهم تعليمات دليل الهاتف الرسمي للمواطنين مع بداية دخوله البلاد والخليج عموماً، والذي بدأ بما يعرف بالتلفون «أبو هندل»، أو «المقنيت» ويعمل بالبطاريات الجافة يخدم داخل الحي الواحد أو المدينة عن طريق مآمير يرابطون على مدار الساعة يتلقون اتصالات المشتركين، ثم يوصلونهم مباشرة مع بعضهم بواسطة لوحة أو «فورمة خشبية» مثبته بالجدار يوصلون من خلالها هاتف المتصل مع المتصل عليه باستخدام توصيل «تشبيك» الأسلاك مع بعضها، بعد أن يقوموا ببرم الهندل لتحريك الطاقة الكهربائية وتحفيز الجرس عند المتصل عليه، وبقيت الخدمة محدودة داخل الحي أو المدينة كما ذكر لفترة زمنية طويلة حتى بدأ دعم بعض المقسمات بخط خارجي واحد في الغالب للاتصال بالمدن المجاورة وبعض الدول عن طريق الحجز، ويحسب وقت الاتصال بواسطة ساعة المأمور الذي يضطر في هذه الحالة أن يظل على الخط يستمع لمحادثة المتصلين حتى تنتهي ليبلغ المتصل في النهاية بمدة وقيمة المكالمة وقد يتداخل معه أكثر من مرة يطلب منه سرعة إنهاء مكالمته لوجود منتظرين. بداية الخدمة وعندما يتذكر «نايف بن صالح الفهيد» بداية دخول تلفون «أبو هندل» إلى عين بن فهيد بمحافظة الأسياح (كنموذج) قرابة الثمانين الهجرية، والذي سبقه وصول لجنة مسح لمعرفة عدد المشتركين عندما اعتقدوا بداية الأمر انه سيُعطى لهم مجاناً، فسجلوا جميعاً لطلب خطين وثلاثة خطوط لكنهم بعد تأسيس الخدمة طُلب منهم دفع 150 ريالاً قيمة الخدمة والجهاز، فانسحب الجميع عدا ثمانية مشتركين فقط، إلاّ انهم بدءوا يقتنعون بفوائد هذه الخدمة ويزداد العدد عاما بعد آخر. في ذلك الوقت كانت مزارع البلدة بالعين تسقى من العيون الجارية باتباع طريقة توزيع حصص الماء بالثواني والدقائق والساعات، وكانت كلما انتهت حصة أحد المزارعين اتصل بالذي يليه بالدور ليقوم بتوجيه «عدل» جدول الماء، لكنه عندما لم يجده وكان الوقت ليلاّ أكد على المأمور الذي هو أحد أبناء البلدة قائلاً:»تراني أبا أنام وأنا أبوك، وأنت واصل معه، وقلّ له يعدّل الماء»؛ فارتبطت عبارة «اعدل الماء» بهذا الجهاز حتى أن بعضهم مجرد سماعه رنّة الجرس يتناول المسحاة ويركض إلى مزرعته. (الشياطين) تنقل الكلام! تعليمات الاستخدام: ارفع السماعة بهدوء وقرّبها من أذنك فإن سمعت «قرَّه» فضع إصبعك على الرقم (2) وأدره ثم دعه يرجع إلى محله مضى هذا الجهاز بكل ذكرياته بعد أن ترك لنا أرثاً من الطرائف والمواقف وجملة من الحكايات اللذيذة نبدأها بما يرويه الأستاذ «نايف الفهيد» عن والده «صالح المنديل» - رحمه الله - مع بداية عزم جهاز البرق والبريد والهاتف؛ إقامة عمود (برج) خاص بالبرقية والاتصالات في إحدى المدن والذي تأخر تشغيله حالة حال أي مشروع يحتاج إلى تجهيز وتأسيس، فتناقل الناس وقتها شائعة، وكانوا يعتقدون أن (الشياطين) هي من تنقل الكلام عبر أسلاك الهاتف.. وخافوا من تنصت الجن على أسرارهم!. تناقلوا أن خلافاً نشب بين الشركة و»الجني المتعهد» بتشغيل الخدمة بعدما رفض «الجني» التشغيل ما لم يتم ذبح خروف (ادلم) يذبح من مؤخرة الرقبة بسكين مقلوب ولا يذكر عليه اسم الله، ومع هذا الاعتقاد الشائع كان البسطاء يتحاشون الاقتراب منه ويحذرون أطفالهم من ذلك، ومع رسوخ هذا الاعتقاد بدأ يخيّل للبعض رؤية الجن والعفاريت يظهرون حوله يرقصون ويغنون ويشعلون النيران طوال الليل. ويروي آخرون أن بعض أهالي المدينة مكان البرج عزوا أسباب توقف المطر في بعض أعوام القحط والكوارث التي حلّت بمدينتهم، ومنها انتشار بعض الأوبئة ومهاجمة الجراد لمزارعهم إلى لعنة (عمود الجن)، مطالبين بإزالته فوراً. متى يطير الحمام؟ في إحدى حارات العاصمة انقطعت الخدمة عن منزل الشاعرة «أم عبدالله»، وبالتالي تعذّر اتصالها بالابن «عبدالله» -الذي يعمل خارج الرياض-؛ وسبّب ذلك أن حمامة برية بنت عشّها على (تقسيمة) التمديدات الهوائية، ووضعت بيضها في العش بعدما قطعت السلك وينتظر موظف الطوارئ إلى حين موعد فقس البيض ومغادرة الحمامة مع صغارها بعد أسابيع حتى يتمكن من إصلاح العطل، فقالت قصيدة طويلة لامت من خلالها موظفي الطوارئ وكانت بداية القصيدة: مزعلني الهاتف اللي صار به علّه وأهل طواريه ما هم مسفهليني (زلَّ) الشهر ما سمعنا صوت عبدالله ولا أوحيت صوتٍ من أصوات المحبيني متى يطير الحمام ويلحق بظله وأسمعك ياللي على الهاتف اتناديني يا ماطر وش تروح؟ عروس تعطرت وذهبت تنتظر اتصال زوجها: «يا ماطر وش تروح»؟ وهذه عروس جديدة ليس لديها هاتف تذهب ليلاً على قدميها مسافة ساعتين تقطع عددا من الأحياء والمزارع إلى منزل أحد أقاربها في إحدى الحارات البعيدة، حيث يمتلك تلفون تنتظر اتصالاً من عريسها الذي يعمل مع إحدى شركات التنقيب في المنطقة الشرقية، وفي إحدى المرات تزيّنت وتعطرت اعتقاداً منها أن رائحة العطر تنتقل أيضاً مثل الأصوات عبر خطوط الاتصال، وأثناء ما كانت تتحدث معه والمكالمة توشك على الانتهاء انتظرت أن يقول شيئاً عن هذا العطر الذي أغرقت به ملابسها ثم سألت: يا ماطر وش تروح؟ فرد عليها بحسن نية:»والله يا مزنه ما أروح غير بربورة المريكاني» -يقصد الشيشة-. «خليك على الخط ياخاله»! المآمير أو موظفو البدالة كانوا جزءاً من هذه المنظومة، من خلال تعاملهم اليومي مع مختلف الأطياف والثقافات، ويضيف لنا بعض من بقي منهم مواقف عفوية تتكرر كثيرا مع العملاء. أحد هؤلاء المآمير ورد له اتصال من الرياض يطلب ربطه أو تحويله إلى أحد أهالي البلدة، فاختصر عليه المأمور الوقت ورد عليه:»ما في بيتهم أحد.. توني شايفهم طالعين عند جيرانهم عرس الليلة»، وآخر في الرياض (تبلّش) بامرأة تتصل من منطقة الشمال تتحدث مع المأمور وتكتفي بكلمة واحدة (عطني عمي عايد)، وعندما يطلب منها الاسم وعنوان الحي كاملاً ترد عليه:»ما تعرف عمي عايد اللّي كل الناس تعرفه يالرخمه»، أما الإخوة «أحمد السلطان الفهيد» و»مطلق محمد القريني» و»فيصل الفهيد» -كانوا يعملون بسنترال الأسياح بعين بن فهيد ويحفظون تقريباً أرقام تحويلات جميع المشتركين المكونة من ثلاث أرقام، ومع ذلك اعتادوا كتابة الأسماء وتحويلاتهم أمامهم على الجدار-, فقد اتصلت بهم امرأة تطلب تحويلها لأحد أقاربها، فطلب منها المأمور الانتظار ريثما يتأكد من وجود رد عند المتصل عليه مستخدماً عبارتهم الدراجة (خليك على الخط ياخالة)، لكن الخالة فهمت العبارة بمعنى آخر بعيد؛ معتقدة أن الرجل يعاكسها ويطلب منها الخروج له على الخط أي الطريق، فانهالت عليه بالسب والشتائم. ليت التلفون من يمك....ما ينقطع يا بعد روحي ويضيفون أنه بعد ما طوّرت الاتصالات وأصبحت مباشرة آواخر التسعينات الهجرية تقريباً كان البعض يخطئ في إدخال الرقم؛ فيتلقى تصحيحاً بواسطة «الرد الآلي» ينبهه إلى وجود خطأ لكن أحد أهالي البلدة البسطاء كلما استمع إلى «الرد الآلي» قال له غاضباً (أعرفك يالخبيث أنت ولد فلان) يقصد أحد المآمير ممن له خلاف سابق معه، وعندما طال عليه الأمر تقدم بشكوى على الإمارة ضد ولد فلان وكان فحوى الاستدعاء أن المأمور يدخل معه الخط يعيق اتصالاته ويستهبل عليه. أيها الأبكم الأصم تكلّم! «زلَّ» الشهر ما سمعنا صوت عبدالله....ولا أوحيت صوتٍ من أصوات المحبيني وإذا كان وجود هذا الجهاز في تلك الفترة، بالإضافة إلى منافعه المعروفة يعد من أهم مكملات الوجاهة ومقاييس الثراء، فهو أيضاً سبيل للتواصل المهم بين المحبين؛ حتى عُرف ما أُطلق عليه أدبيات الهاتف. وقال في ذلك شاعر الفصحى بعدما طال سبات هاتفه وأصيب بعاهة الصمم: أيها الأبكم الأصم تكلم.. وترنم, ولا تحطم غروري لتدب الحياة فيك فتصحو من سبات الردى, وصمت القبور لتذوب الثلوج عنك, فتجلو بالرنين الحبيب.. صوت أميري لا تثرني بلونك الأسود الجهم وبتهديد صمتك الموتور لا تدعني أهوي عليك بسخطي ثم أذروك كالهشيم النثير حب لا يموت! أما شاعرنا الشعبي فقد جاءت قصيدته تفيض تباهياً وغروراً، وربما قُصد بها أكثر أن يوحي لمن حوله أنه ضمن الطبقة القادرة على امتلاك هاتف: من يوم حصل صورتي (ف) الجريدة وهو يداعبني بسلك التلفون صورة بليا صوت هزت وريده وشلون لو هو شافني (ف) التلفزون المشكلة ما ادري وش اللي يريده في كل ليلة له نظامٍ وقانون ومن القصائد المغناه لاحد أشهر المطربين الشعبيين والتي لا يزال يحفظها ويرددها بعض جيل التسعينات الهجرية قصيدة (التلفون) ومطلعها: ليت التلفون من يمك ما ينقطع يا بعد روحي والهرج لا صار من فمك يصير بالحيل مملوحي ياخف روحك على دمك عندك سواليف وامزوحي