بلادنا عريقة في دخول الهاتف إليها في زمن مبكر، ربما تقدم عن زمن دخوله إلى كثير من الأقطار المجاورة، ويذكر تأريخنا السعودي المعاصر أن الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن رحمه الله كان مهتما كثيرا بكل وسائل الاتصال ومنها اللاسلكي الذي كان يرافقه حيث حلّ. ورغم عراقة وجود الهاتف بين ظهرانينا إلا أننا نلاحظ أن ثقافة الهاتف الصحيحة ما تزال ضعيفة جداً في أوساطنا الاجتماعية، ويقصد بالثقافة الصحيحة هنا حسن استخدام الهاتف فيما وجد من أجله باعتباره أهم وسيلة اتصال اكتشفها الإنسان في العصر الحديث، إذ توفر هذه الوسيلة الرائعة للإنسان قضاء الكثير من مصالحه عن بعد، وتوفر وقته وجهده وماله بما لم يحدث من قبل في التأريخ البشري. وقد يتبادر إلى ذهن القارئ هنا للوهلة الأولى أنني أعني بغياب ثقافة الهاتف لدينا استخدام الهاتف في المعاكسات أو في الثرثرة خصوصا بين النساء. وذلك أمر مهم ولاشك ويناقض ثقافة الهاتف، وقد عانينا منه الكثير في الماضي ومازلنا نعاني منه حتى اليوم رغم وجود خدمة كاشف رقم المتصل، وحتى بعد انتشار الجوالات وطغيانها على الهواتف الأرضية وهي كاشفة للأرقام. وذلك جزء لا يتجزأ من ثقافة الهاتف التي لا نستوعبها جيداً. ولكن، هناك جوانب أخرى من هذه الثقافة قد لا تقل أهمية عن موضوع إساءة استخدامه في المعاكسات والثرثرة، من أهمها عدم فهم الكثير من الناس أن هذا الهاتف إنما وجد لقضاء مصالح الخلق عن بعد كما أسلفت وتوفير جهدهم ومالهم ووقتهم، فيعلم الجيمع في مجتمعنا أنه رغم توفر خدمات الهاتف المتطورة في كل المصالح الحكومية والخاصة بما في ذلك التوصيلات العديدة التي تصل إلى كل موظف كبر أو صغر، إلا أنه يندر ويستحيل في كثير من الأحيان أن يتمكن مواطن أو ذو حاجة أن يقضي حاجته من خلال الهاتف، مهما كانت هذه الحاجة صغيرة أو حتى تافهة، كمثل الحصول على رقم معاملة مهمة وتأريخها، فإن كانت لك معاملة في إدارة حكومية على وجه التحديد في الرياض مثلا، وأنت تعقب عليها من جدة، فعليك أن تنسى تماماً أن يرد عليك أحد، وإن ردّ عليك بحكم المصادفة كأن يرفع السماعة للاتصال مثلا،أو لأن الرنين أزعجه بعد أن تكون قد اتصلت ألف مرة وعلى مدى أيام أو أسابيع، فصدقني أنه سيأخذ منك المعلومة ويطلب منك الاتصال مجدداً بعد ساعة أو أقل أو أكثر أو في اليوم التالي، ثم تعود لتتصل وتغرق في الدوامة من جديدة فلن يجيب أبداً وإن أجاب فسيقول إنه لا يذكر الموضوع وهكذا، وبالطبع فإن الأمر لا يختلف تماما لو أنك متصل من الرياض إلى جدة أو من أي منطقة لأي منطقة، كما أن الأمر لا يختلف إطلاقاً من دائرة إلى دائرة ومن وزارة إلى وزارة، وباختصار يجب عليك أن تستقل السيارة أو الطيارة وتعطل عملك ليوم أو يومين أو أكثر وتدفع من جيبك الكثير لتسافر من جدة إلى الرياض أو العكس او لأي منطقة أخرى لتعقب على معاملة مهمة، أو لمجرد الحصول على رقمها فحسب، وسألت كثيراً من أصدقائي عن هذه الحقيقة وأكدوها جميعاً، وندر أن يقول لك أحدهم إنه قضى مصلحة مهما كانت صغيرة عن طريق الهاتف في أي مصلحة أو إدارة حكومية، والغريب أن هذه العدوى انتقلت إلى القطاع الخاص فلا أحد يرد عليك في أي شركة أو مؤسسة أو ورشة وكأنك (تؤذن في مالطة) كما يقول المثل العربي. ولطالما كنت أراجع في إدارات حكومية مهمة، وأرى الموظف وراء مكتبه، والهاتف يدق ويدق ويرن ويرن، ويتوقف ويعود مجدداً ليدق ويدق ويرن ويرن، ولا يكلف الموظف (خاطره) أن يرفع السماعة ويرد على هذا المواطن المسكين الذي يتحرق ليعرف مصير معاملة أو مصلحة أو حاجة ملحة، ولا فرق في هذا بين المصالح الصحية أو التعليمية أو الخدمية. ولطالما خطر ببالي أن أشكو هذا الحال المزرية إلى المسؤولين الكبار في أي مصلحة أو جهة لا (يعبّر) موظفوها المتصلين، فواجهت حقيقة أكثر مرارة من سابقتها، فهيهات أن تستطيع الوصول إلى المسؤول الكبير وكما قال لي أحد الأصدقاء: أنت لم تستطع الوصول إلى (الغفير) فكيف تصل إلى (الوزير)؟ ومن أغرب المفارقات أيضا أن بعض المؤسسات التي عملها الاتصال كشركة الاتصالات مثلا أصبح اليوم الانتظار فيها ليرد عليك الموظف ردحاً من الزمن، ثم إذا تفضل ورد وجدت أنه ليس لديه الكثير من الصلاحيات أو لطالما أبرم لك مواعيد ولم يُنفذ منها شيء إطلاقاً. إنها ثقافة الهاتف المفقودة تماما في مجتمعنا وكأن هذه الآلة لم توجد إلا للثرثرة والمعاكسة. [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (53) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain