تشكل أحداث العالم العربي أكثر من 80% من أحداث العالم اليوم. ويلاحظ أن أغلب التحليلات والرؤى السياسية لهذه الأحداث يسيطر عليها التسليم المطلق بما نشاهده على السطح، والاستسلام السطحي لظواهرها والقفز إلى الحلول، وغياب الرؤية الراشدة والتحليل العميق لها، وعدم إدراك الفرق بين الاستراتيجي والتكتيكي منها، وعدم محاولة الغوص في حقيقتها وأسبابها وخلفيتها التاريخية ومآلاتها المستقبلية وأهم اللاعبين والمؤثرين فيها. على سبيل المثال لا الحصر، نجد أنه يتم استخدام ورقة الأقليات العرقية والدينية وتوظيفها سياسيا لمحاولة صوملة وأفغنة العالم العربي وإرجاعه قروناً إلى الوراء، مع أن هذه الاختلافات موجودة في كل المجتمعات وتم استيعابها في الدول الكبرى كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين والهند، وتم تحويلها إلى عامل تنوع وإثراء، وتم إعادة تصدير هذه الاختلافات إلينا لتوفر البيئة المناسبة لها لتكون أداة تفتيت لدولنا ومجتمعاتنا العربية (عرب- كرد- أمازيغ- بربر- سنة- شيعة). ولو أخذنا المشكلة السورية كمثال، لوجدنا أنها حرب بالنيابة في جانب منها، ويراد لها أن تكون حرب استنزاف طويلة لا غالب فيها ولا مغلوب لأهداف استراتيجية أدواتها طائفية. ويلعب الجانب الاقتصادي دوراً مهماً فيها كما أنها مثال للتوظيف السياسي للدين والطائفية. وتم استخدام القضية السورية لتأزيم وتمزيق ما تبقى من التكامل العربي والحيلولة دون محاولة النهوض. ويجري الإعداد حالياً لتكون سوريا أنموذجاً آخر للتفتيت والتمزيق بعد نجاح أنموذج دولة جنوب السودان. وملخص كل ما ذكر أن استيعاب وفهم الواقع العربي الحالي يحتاج وعياً استراتيجياً لا ينخدع بما يشاهده من ظواهر الأحداث، بل التنقيب عن جذورها ومآلاتها المستقبلية.