التغيير فكرة مخيفة لا شك في ذلك، حتى الخطأ حين يكون مستمرا باستقرار سيكون مطمئنا أكثر من الصواب المرتبط بتغيير تحوم حوله شبهات الفشل، تماما كحال المريض بالرهاب الاجتماعي!. المجتمع يشبه الفرد كثيرا فهو يخشى المقارنة مع الآخرين لأنه يخشى ألا ينال إعجابهم أو أن تقل قيمته في أعين من حوله. وتماما كما يخشى مريض الرهاب المحافل والأضواء تجد المجتمع التقليدي يخشى المحافل العالمية ويرفضها لأنه يخشى أن يكون عرضة للنقد أو للتنازل عن بعض صفاته التي هي في فهمه «كرامته». وبما أن الثقافة تشكل «دين الإنسان» بشكل عام فهي تقبل كل الأطروحات كأطروحات وتحتوي الجميع وهذا يثير الأنانية التقليدية فينا التي تريد الاستحواذ على كل اهتمام أبنائها فيصبح الأجنبي سيئا على كل حال وتصبح التجربة محرمة إلا على فئة قليلة يحق لها قبول ما يشبهنا ورد ما يختلف عنا!. ولو نظرت إلى أي مجتمع تقليدي ستجد أنه يتبنى بشكل كبير ثقافة الشعارات والخطاب العاطفي لأنه توقف عن النمو الفكري ويحاول جاهدا كسب الولاء «كله» لما لديه من أفكار قديمة، قد تكون أصيلة وجيدة ولكنها لم تعد تكفي. كانت أوروبا أوفر حظا منا، فالتغيير فيها كان فيه تناسب بين المادي والمعنوي وكان كل تغيير يأخذ فرصته ليمازج بينهما لينتهي الحال إلى حالة وسطية يلتقي فيها المادي مع المعنوي، الآلة مع المبدأ. نحن اليوم نعيش طفرة في الجانب المادي بينما المعنوي ينهار بقوة قبل وجود البدائل وهذا ما تحدث عنه ماركس في البيان الشيوعي حين تطرق للعولمة فذكر أن من أهم صفات هذا العصر هو تسارع النمو المادي بينما الثقافات الإقليمية تحاول استيعاب التغيير ولكنها تنهار وتنشأ عن هذا الانهيار الصراعات الداخلية. لهذا نحن بحاجة لضعف الوعي الأوروبي لأننا نمر بحالة صدمة مزدوجة، صدمة الوقت وصدمة الثقافة الجديدة وليس من صالح أي عاقل تحييد الثقافة وتهميشها أو الوقوف ضدها كمنهج لقيادة التغيير الاجتماعي.