بلغت إجابات بعض الطلاب والطالبات حدا كبيرا من اللا مبالاة والاستهتار التي يتعاملون بها مع اختبارات نهاية العام الدراسي، فيما تسابق معلمو ومعلمات المدارس منذ بداية موسم الاختبارات، في نشر صور لأوراق الاختبارات التي تضمنت عددا من الإجابات الساخرة والغريبة، وذلك عبر الأجهزة الذكية، وفي عدد من مواقع التواصل الاجتماعي، باحثين عن الفكاهة والتندر، مؤكدين على إسهام الطلاب والطالبات في عملية نشر هذه الأوراق والترويج لبعضها، الأمر الذي عده تربويون وعلماء نفس، أنه ينم عن شخصية الطالب المتوترة، التي تحاول الهرب من الواقع، وتبحث عن الدعابة حتى لو كلفها خداع نفسها، في صورة لاحتجاج هزلي ينبذ أساليب التعليم الخاطئة التي فشلت في جذب أقل اهتمام من الطلاب لقاء معطياتها، والأهداف المنشودة منها، في صورة كبيرة للضعف الذي تعانيه المناهج والمقررات الدراسية التي اتسمت بطابع الحشو الغث والسمين الذي يغيب عنه عنصر التشويق والمتعة، إضافة إلى بدائيات أساليب المعلمين، حيث أصبح الذهاب للمدرسة لا يعدو كونه فرصة لتضييع الوقت وقتل الفراغ. استهتار باللغة تقول معلمة اللغة العربية فوزية أحمد «مع الأسف تستهتر غالبية الطالبات بمادة اللغة العربية، التي دائماً ما تكون مثاراً للسخرية، في مادة النصوص الأدبية والشعر مثلا، تردني إجابات غريبة جدا، بأسلوب ركيك، وضعيف لغوياً، رغم محاولاتي المتكررة في تشجيعهن على حب المادة وجذبهن إليها، إلا أنني أدهش كلما قمت بتصحيح أوراق الإجابة، وقراءة الإجابات المضحكة، والمستفزة أحيانا، فقد أجابت إحدى الطالبات في مادة الأدب عن سؤال من قائل خطبة البتراء؟ وما سبب تسميتها بذلك؟ قائلة البتراء ، وسبب التسمية لأنها بترت يداها ورجلاها !. وفي مادة النحو أجابت عن سؤال ما هو النداء؟ وقد كانت الإجابة لو كنت ذكية لأخبرتني به». أسلوب غريب وأبدت معلمة اللغة عربية ليلى حسن، تعجبها من أسلوب الطالبات في التعبير، وقالت «أفاجأ بإجابة الطالبات دائما باللهجة العامية، والاستشهاد بمقاطع من الأغاني المشهورة بدلا من الشعر العربي معربة عن حيرتها من تصرفاتهن، واستهتارهن حتى حين تواجههن بإجاباتهن، كثيرات يقلن لها ماذا سيفيد التعليم ما دمنا لن ندخل الجامعة؟ حتى لو دخلناها لن نجد وظيفة مناسبة، معربة عن أسفها لحصول بعض الطالبات على درجات منخفضة في مادة التعبير، وغيرها فالإجابات التي فيها إخلال بشروط الموضوع من التزام الأسلوب الأدبي والكتابة باللغة العربية الفصحى ليس لها اعتبار غالبا». أمر مخجل بينما اعتبر المعلم محمد إبراهيم تسابق المعلمين والمعلمات على نشر مثل هذه التعليقات أمرا مخجلا، مبينا أنها تدل على المستوى المتدني لثقافة الطلاب والطالبات، مشيرا إلى أن بعض الإجابات تعكس استخفافا عاما بالمعلم، ونشرها يساعد الطلاب على التمادي، وأضاف «لقد طال الأمر ولا سيما في مدارس البنات، وما يحدث مجرد مضيعة لوقت الطلاب والطالبات الذين يفترض بهم استغلال أوقاتهم في الاستذكار» طرق بدائية تقول أستاذة طرق التدريس أم سلمة العامر «إن فحص وتقييم إجابات الطلاب ينبغي أن يكون من خلال مسطرة الفهم لا الحفظ الذي يستوجب توفر ميزة الصبر والدأب لدى المعلم، زيادة على شرط توفر مهارات التعامل مع الصيغ المختلفة والمتباينة للإجابة الصحيحة والقدرة على تمييز صحيحها من خاطئها، ولا شك أن المعلم لا يريد أن يدخل في كل هذا «القلق» الذي سيضطره إلى التدقيق في كل إجابة وتطوير آليات ذاتية للتمييز بين الصحيح والخاطئ، لذا، يلجأ للنص المدون في الكتاب كمرجعية وحيدة للحكم، هذا مريح، فالتفتيش عن نص معين في الإجابة يمكّن المعلم من التصحيح بشكل سريع دون قراءة الإجابة بتمعن، فهو أمام احتمالين فقط: إما أن الطالب كتب ذات النص الموجود في الكتاب فتكون الإجابة صحيحة أو لم يكتب ذات النص فتكون الإجابة خاطئة وانتهينا، بل إن آلية التلقين تمددت ونجحت بغزو مواد الفهم، كالرياضيات والعلوم، ما السبب في ذلك؟ يمكن اقتراح أسباب كثيرة ومعقدة وعميقة أيضاً، خاصة تلك التي تختص بقدرة أنماط التفكير التقليدية السائدة على «الصمود» أمام هجمة العقلانية الحديثة الوافدة مع أنماط التعليم الحديثة والتأقلم مع التنظيم الحديث للتعليم المسمى ب:«المدرسة» ثم إعادة بنائها (أي المدرسة) بما يتوافق مع أنماط التعلّم السائدة قبلاً والمعتمدة على الحفظ والتلقين، من هنا الخطورة، فهذه الراحة واحدة من أهم آليات قدرة أنموذج الحفظ على إعادة إنتاج نفسه من جيل إلى آخر، وهو ذات الأسلوب الذي لم يعد مناسبا لجيل اليوم الذي اتسم بجيل الأجهزة الذكية والإلكترونيات وتسارع العصر الذي لم يعد الطالب فيه آلة للحفظ لذا كانت هذه النتيجة العكسية من انسلاخ المتعلم من آليات التعليم المملة وبحثه عن المتعة ولو على سبيل السخرية في أوراق الإجابة من نفسه أولا ومن معلمه ثانيا. نقص الإبداع أضافت العامر« النقص في القدرة على الإبداع والخوف منه، وهو أمر لاحظته ليس في المعلمين فقط بل حتى في الطالبات اللاتي أدرسهن، ثمة نمط تفكير شائع مفاده أن التخفي وراء النصوص المكتوبة أسلم من التجلي وإبراز الصوت الذاتي، وربما رجع لأن التعليم تحول إلى مصدر رزق للعاملين فيه، ولم يعد شغفا وإيمانا كما في الأجيال السابقة، هذا يطمس شخصية الطالب والطالبة، فيصبح «مسخاً» عديم الرأي والهوية، مشيرة إلى رفض الطلاب لهذا الأسلوب بالسخرية في أوراق الاختبارات، فهو استهتار بطريقة التعليم الخاطئة، وبالمعلم الذي اختلفت اهتماماته مع دوره التربوي، فأصبح يبحث عن الوظيفة والراتب فقط». انهزامية وعدم رضا وأرجعت اختصاصية علم النفس إلهام حسن حالة اللامبالاة والاستهتار لدى التلاميذ إلى حالة من عدم الرضا المخزنة في عقل الفرد الباطن التي تظل ترافقه مع جميع مراحل حياته و نموه طالما أنه مازال غير راض عن واقعه، أو تظل مخزنة في العقل الباطن و يظل الفرد واقعا تحت تأثيرها يحاول دائما التخلص منها أو إظهار عكسها في تعاملاته مع الآخرين بتصوير صورة عن حياته عكس الحقيقية خاصة فترة الأزمات، أو ربما تكون حالة طارئة نظرا لظروف معينة يمر بها الفرد وتنتهي بنهاية تلك الفترة، ويظل الهروب من الواقع استسلاما لا يجدي ونوعا من ضعف الشخصية، لأنه لا يحب الانهزامية، ولو على الأوراق بالاختبار؛ فيخدع نفسه ظاهريا، ويقنع نفسه بأنه أجاب وملأ ورقة الإجابة حتى ولو بسخرية. لفت للانتباه وأضافت حسن «ربما كانت لفتاً للانتباه ليشعر بالأهمية، من جهة، والشهرة والفخر المستهتر، من جهة أخرى من قبيل مداعبة بعض المعلمين والحديث عن إجابته من أجل أن تنشر في مواقع التواصل الاجتماعي، وأحياناً تكون ردة فعل اتجاه معلم المادة تشفياً فيه أو تحدياً له، ولا شك أن نظرة الشباب المستقبلية، وانتشار البطالة، والاعتماد على الأهل، وعدم الوقوف الجاد، وبث روح الأمل والحث على المعرفة، وانعدام وسائل الجذب إليها، وعدم ارتباط المنهج بالحياة وتطبيقاتها.كلها أسباب أدت إلى هذا الاستهتار. صراعات داخلية وزادت حسن «إن استمرار المسلسل الهزلي بالتعليم الربحي التجاري، أسهم بقدرٍ كبيرٍ في صُنع حالةٍ من اللامبالاة لدى عديدٍ من الطلاب، والطالبات حيث تميل إجابتهم للسخرية للخروج من جو الكبت وجو الضغط، فتصبح ترفيهاً معنوياً بغير موضعه، تشكل صراعات داخلية تدعو إلى التمرد، فهم يعانون بين طموحاتهم الزائدة وتقصيرهم الواضح في التزاماتهم، وبين ما تعلموه من شعائر ومبادئ ومسلمات وهم صغار وتفكيرهم الناقد الجديد وفلسفته الخاصة للحياة، وصراعه الثقافي بين جيله الذي يعيش فيه بما له من آراء وأفكار والجيل السابق، وعدم قدرته على التعبير في ظل سقف ضيق يسعى إلى تلقين المادة أو المنهج بطرق بدائية لا تتفق مع معطيات عصره المنفتح أمامه، والمبهر لخياله. وكنوع من النداء المدوي للجميع علينا أن نحتوي تلك الشريحة حتى تنال قسطاً كبيراً من الوعي بكيفية مواجهة الأزمة والضغوط بآلية التعبير عن النفس والذات بطرق مقبولة وصحيحة».