عمر عبدالله بن مشاري المشاري لا يقدِّر فضل الوقت إلا الموفق الذي يعلم أنَّه مسؤول عن عمره فيما أفناه، أفي طاعةٍ أم في معصية؟ وهاهي الإجازة الصيفية للطلاب حطت رحالها، فمن مستثمرٍ لها فيما ينفع في الدنيا والآخرة، ومن مضيِّعٍ وقته بلا فائدة، منهمكٌ في الملهيات لا يكاد ينفكُّ عنها ولا يحزنه إمضاء وقته فيها ولا إتلاف ماله لأجل رغبات نفسه وشهواتها، وقد تجرُّه نفسه الأمَّارة بالسوء بالتفريط في شأن الصلاة، فلا يصليها مع الجماعة في بيوت الله، بل قد يؤخرها عن وقتها، ومن تهاون في أعظم ركنٍ بعد الشهادتين، فلا غرابة أنْ يقصِّر في خدمة والديه، بل قد يصل الحال إلى عقوقهما وقطيعة الرحم، والسهر على ما حرَّم الله… فيغرق في أوحال المعاصي التي تجرُّ بعضها بعضاً، وبعضها مرتبطٌ ببعض، خصوصاً إذا اقترن الطالب بقرناء السوء الذين يأمرونه بفعل المحرمات وترك الطاعات، فيعيش حياة الشقاء والبؤس وتتسابق إليه الهموم والغموم ويضيق صدره، وتسوء أخلاقه، ويتغيَّر سلوكه، فالحذر من ذلك أيها الطالب واحرص على معالي الأمور، ودع عنك أسافلها. وفي المقابل نرى ثلة من الطلاب -وفقهم الله لما ينفعهم- قد علت هممهم، وقويت عزائمهم في فعل نوافل الطاعات، وطلب العلم الشرعي في المساجد، وفي حضور الدورات العلميَّة المكثفة فيها، وفي التسجيل في البرامج الصيفيَّة في حفظ القرآن الكريم في المساجد، وفي الالتحاق بدورةٍ من الدورات التدريبيَّة في مراكز التدريب المعتمدة في شتى العلوم النافعة بمجالاتها الواسعة كعلوم الحاسب الآلي وغيرها. إنَّ الطالب الموفق هو الذي ينظِّم وقته بما يملأ به فراغه، فلا تراه يشتكي من الملل وضيق الصدر؛ لأنه أشغل نفسه بما ينفعه وأصبح عضواً فاعلاً في نطاق أسرته ومجتمعه، فجعل من وقته شيئاً لقراءة القرآن الكريم، وشيئاً لقراءة صحيح السنة النبوية، كأن يقرأ في صحيح البخاري ومسلم، ويحفظ منهما حديثاً أو حديثين بصفةٍ يوميَّة، وفي قراءة الكتب التأصيليَّة وحفظ المتون العلميَّة، وفي المشاركة في المناشط الدعوية والأعمال الخيريَّة، أو في مزاولة مشروعٍ تجاري مؤقتٍ ينتفع به، ويصل والديه ما داما على قيد الحياة، ويقضي حاجتهما، ويجتهد في برهما، ولا يُقدِّم عليهما صديقاً، ويصل رحمه، ولا أقلَّ من حضور المناسبات الأسرية، ويصل أصدقاء أبيه أو أمِّه اللذين ماتا، ويساهم في العمل الخيري إمَّا بجهده أو بماله، ويصاحب الأخيار، وذلك بأنْ ينتقي أصحابه كما ينتقي أطيب الثمر، ولا ينسى زيارة أقاربه وعيادة المرضى، وغيرها من فضائل الأعمال، فاحرص أيها الطالب على حفظ وقتك واستغلاله فيما يعود عليك نفعه في دنياك وآخرتك. كما أنَّ على أولياء أمور الطلاب أنْ يحرصوا على تربية أبنائهم ويكونوا قريبين منهم ويتعرفوا على أصدقائهم الذين يجالسونهم، ويمدوا أيديهم الحانية إليهم ويوجهونهم التوجيه النافع. وأسأل الله أنْ يصلح أبناءنا وبناتنا، ويحفظهم ويوفقهم لفعل الخيرات والعمل بطاعة ربِّ الأرض والسماوات.