يا ربي ما هذا الحر الذي هجم بقوة على جدة اليوم؟ أتساءل وقطرات العرق تنزلق من جبيني، وأنا أصبِّر نفسي بمشهد الماء البارد عند عودتي إلى المنزل. شارع الذهب هو شارع عريض متفرع من شارع الملك عبدالعزيز في قلب جدة القديمة والشهير بمحالِّ الذهب والصرافة التي ترتصُّ بعشوائية مثيرة على جانبيه. وبرغم بساطته إلا أن أحشاءه مليئة بتفاصيل وقصص تملأ كتب ومجلدات التاريخ والاجتماع. اليوم تحديداً كان القيظ ممزوجاً بالرطوبة الشبه خانقة والشمس آيلة نحو الغروب، وأنا أسير بسرعة أقرب للهرولة لقضاء احتياجاتي قبل صلاة المغرب. «عندك 18»؟ -أسألُ راعي المحل باختصار لما معناه «الذهب عيار 18» فهز رأسه إيجاباً «إيش تبغي تعليقات أو حلقان؟» فأجبته «تعليقات». أجوب بعيني في البضاعة ولا يعجبني المعروض «ما أبغي شي فيه زيركون» (أي حجر الزجاج الشبيه بالماس) «أجل تبغين سادة؟» فهززت رأسي بالإيجاب. فأشار بيده إلى المحل المجاور «جارنا عنده تشكيلة أوسع». فشكرته وتوجهت إلى المحل المجاور ثم التالي وهكذا.. لم أجد تعليقات ذهب دون زيركون.. واضح أن الذوق الجمالي لدى المستهلك في هبوط. سمعت أحدهم خلفي وهو يسعل بقوة ثم يبصق لينفث سموم رئتيه أمام باب متجره، ثم نظر إليَّ وأنا مسرعة وقال «اتفضلي يادكتورة» في محاولة لاستقطابي إلى محله. نظرت إليه ولسان حالي يقول «لست دكتورة ولن أدخل إلى متجرك وبصاقك عند بابه»! «الشركة السعودية للذهب» أو هكذا خُيِّل لي، اسم محل دخلته مكيف والعاملون به يرتدون زياً موحداً بترتيب ونظافة، إلا أنه لا يعمل به سعودي واحد! تقودني قدماي خارج المحل فأرى «شيبة» يبدو أنه من أصل أفغاني وهو يقوم بحياكة وإصلاح النعال بخبرة واحتراف.. وأمامه زبون يراقبه بإعجاب. توقفت للحظات وأنا أتفكر في جميع الحرف اليدوية الثمينة التي انقرضت مع الوقت ثم أستدير.. فوج كبير من النساء اللاتي لا ترى منهن سوى أعين تنظر إليَّ بفضول، ويبدو من طول قامتهن وضخامتهن أنهن لسن من هذه البلاد، يسِرن بكل اطمئنان مثل باقي المخالفين لنظم الإقامة في هذا الشارع الذي يضم بشراً من كل صوب وحدب. تمتمت بالدعاء وقت الأذان أن أجد السائق والسيارة دون طول انتظار وأنا أنظر خلفي إلى شارع الذهب.