1 - قبر أمي ها هو الموت يلقي بظلاله على الجميع. يزور الكل بلا استئذان. لا أحد في الجبل ينادمني حزني العميق. لا أحد.. كان صدري ضائقا في ذلك العصر.. أمي ليست رقما صغيرا في كتاب الأمهات الحنونات الجميلات حتى أنساها هكذا. نزلت من الدرج. فسمعت صوت نسوة لا أعرفهن. لا أدري إلى أين أذهب. منذ عقود في مثل هذا الوقت كنت أشرب القهوة معها. وجدت نفسي أركب السيارة. وأدور في الشوارع المزدحمة بلا هدف !، فجأة وجدت نفسي قريبا من المقبرة التي تغفو فيها أمي بسلام. كأني أرى المقبرة لأول مرة. مقبرة جميلة مجاورة للجبل الأسمر الشامخ، وملاصقة للوادي. وتعبق برائحة الأهل البعيدين. ترجلت بخطوات بطيئة. كان هناك بعض نتف الغيم الأبيض البعيد. سلمت عليها وعلى أبي وعمتي. وعلى كل الرفاق والجيران. تمتمت ببضع كلمات. بكيت قليلا. وأنا أهم بالخروج، كأني سمعت أمي تقول لي لا تنس أن تشرب القهوة معي هنا كل عصر!، خرجت وأنا أقل كآبة من قبل!. 2 - المكحلة صغيرة جدا. مصنوعة من معدن قديم. قديم. بلا طلاء. لحفظ كحل العيون. يقال إن عمرها أكثر من قرن من الزمان. فيها تشم رائحة التعب وعطر الحنين. مكحلة صغيرة تميل للسمرة. أمي ورثتها عن أمها. ذات حنين وصفاء، أسرت لحفيدتها (أماني) وهي على سرير المرض عن المكحلة وكأنها جزء من روحها: ليس عندي بنت تأخذها من بعدي!. كانت تبكي على المكحلة بلا دموع، وتقول بلا استجداء لحفيدتها المكحلة أمانة عندك!. 3 - يرثي ذاته بعد أكثر من خمسين حولا. تفقد أمك. تفقد ظلك. تفقده إلى الأبد. ذلك الذي كانت تتنفس به، ويتنفس بك. ظلك الذي كنت تستظل به. وتغني به عند اشتداد عواء القيظ !. [email protected]