تحل اليوم الأحد 15 يناير ذكرى رحيل الشاعر محمد الثبيتي، الذي وافته المنية في مكةالمكرمة بعد غيبوبة طويلة إثر تعرضه لأزمة قلبية حادة في مارس 2009 م. وكان الشاعر الراحل محمد عواض الثبيتي المولود في عام 1952 في منطقة الطائف، صدرت له الدواوين «عاشقة الزمن الوردي» 1982، «تهجيت حلماً.. تهجيت وهماً» 1984، «التضاريس» 1986، وأخير «موقف الرمال.. موقف الجناس»، وحصل على كثير من الجوائز، منها جائزة نادي جدة الثقافي عام 1991 عن ديوان «التضاريس»، التي حرم منها بسبب مناوشات معركة الحداثة تلك الفترة، ولقب ب«شاعر عكاظ» عام 2007 في حفل تدشين فعاليات مهرجان سوق عكاظ التاريخي في دورته الأولى، وتم تكريمه بجائزة الوفاء في حفل جائزة الشاعر محمد عواد التي نظمها نادي جدة مطلع هذا العام. ودع الثبيتي ساحة الشعر، وترك خلفه قصائد سطرها بمداد القلب، وأطلقها في حدائق الروح، ولم يخشَ خيول الدرك باعثاً وصيته لعاشق القصيدة: لا تمل الغناء/ فما دمت تنهل من صفو الينابيع/ شق بنعليك ماء البرك. في الذكرى الأولى لرحيل صاحب التضاريس، كيف يرى شعراء سعوديون رمزية هذه المناسبة، وكيف ينظرون إلى منجزه الشعري في تفاصيل هذا الاستطلاع: الزمن الأحمر يقول الشاعر مسفر الغامدي لو قدر لمحمد الثبيتي أن يعيش عاماً آخر، لرأى بعينيه ما رآه بشعره، قبل قرابة الثلاثين عاماً «رأى زمنا أحمر/ ورأى مدناً مزق الطلقُ أحشاءها/ وتقيح تحت أظافرها الماءُ/ حتى أناخ لها النخل أعناقه/ فأطال بها واستطالْ/ وأفرغ منها صديد الرمالْ». في هذا العام السحري المنصرم ولد (الزمن الأحمر)، وتمزقت أحشاء المدن وهي تلد الثورات، وتراكمت العقود الطويلة الراكدة، فتقيحت صديداً... لكن محمداً (نام عن شواردها)، وتركنا لكي نقتفي آثار شعره في الحياة، في الوجوه، في المدن، في الرمال. طوى جسده ونشر شعره. توسد (إثْفِيّةً)، ونام على سرير من تراب. خلّفَ نخلته تعرش في وجداننا. هو الآن «يتظاهر بالموت». من علوه يرسل تحية وسلاماً، (ويشتعل غناء كالعصافير)، يفيءُ سحابة، ويغني على الربابة: «ألا ديمةً زرقاءَ تكتظُّ بالدما/ فتجلو سواد الماء عن ساحل الظما». نسمعك يا محمد. نصغي إلى هدير المستقبل من بين أحرفك. ما مات من كانت كلماته مورداً للشعراء، وملاذاً للحالمين. سلامٌ عليكَ... سلامٌ عليكْ!! منزل الشاعر ويتذكر الشاعر والناقد عبدالرحمن المحسني زيارته لمنزل الثبيتي في جبال مكة من أجل تحضيره لرسالة الدكتوراه عن الاتجاهات الجديدة في الشعر السعودي، فيقول: التقيته في مكتبة مكة العامة، واصطحبني برفقته بين تلك الشعاب والأودية حتى وصلنا إلي بيت على جبل منيف يذكرني دائماً به قوله: مزمل في ثياب النور منتبذ... تلقاء مكة أتلو آية الروح بيت بسيط، صعدنا أدراجه حتى وصلنا مكتبته، لنبدأ الأسئلة عن حركة التجديد في السعودية إبان فترة تكونها، وكان الثبيتي أحد أعلامها، كنت أحاول أن أجره للنقد فيسحبني للشعر حتى مضت ليلتنا شعراً رائقاً عرفت به أن الرجل مهجوس بروح شاعرة. قدم لي ديوانه «موقف الرمال» في نسخة أولى، وأهداني عدداً من دواوين شعراء التجديد، وخرجت من عنده، وأنا أعلم أن قلبه أبيض ليس فيه إلا الشعر. وحين بدأت في كتابي خطاب الSMS أكتب عن الرسائل النصية التي تمور بها جوالات المبدعين، وحين لم يتفاعل مع فكرتي إلا القليل من الشعراء كان الشاعر الكبير محمد الثبيتي من ذلك القليل الذي أرسل لي من جواله نصين هما أخطر ما كتب الثبيتي (القصيدة وبوابة الريح) قبل أن تنشر، وكان حضوره من أهم المحفزات للشعراء بالتواصل وللباحث بإتمام كتابه وطباعته. ويضيف المحسني: تلك شيء من قراءة روح الثبيتي التي كانت بعيدة عن سجالات الثقافة المحيطة به، وأنا على يقين بعد علاقة استدامت معه حتى توفاه الله، أنه وإن حمل من صفات البشر الطبيعية وأخطائهم، إلا أنه يحمل روحاً لا تحمل الحقد على أحد. نفس سليمة، أسأل الله أن يكون ممن أتى الله بقلب سليم. وحين أركز على استماع نصوصه لا يساورك الشك أنك أمام شاعر كبير له تجربة مختلفة عمن سبقه ومن جايله، تجربة رامزة واضحة، تراثية حداثية، تشكل كيميائية لغوية بمصطلح رامبو خاصة بالثبيتي، صوت شعري لا يكفي أن تسمعه مرة واحدة، بل كلما أكثرت من استماع نصه كلما تفتق لك عن نادرة، وتلك سمات اللغة التي لا تموت. المثقف المستقل يؤكد الشاعر والناقد سعد الثقفي أن محمد الثبيتي عاش مشتغلاً على منجزه الابداعي، ونأى بنفسه عن تعقيدات الوسط الثقافي الذي يصيب المثقف بالإحباط كلما اقترب منه، أو حاول الانتماء إليه، ولولا وقفة نادي حائل الأدبي معه إبان فترة تولي الصديق محمد الحمد رئاسته، وطباعته لأعماله الأدبية، لكانت علاقة الثبيتي مع المؤسسة الثقافية في بلادنا وصمة عار بحق، فالثبيتي الذي مثل المملكة كثيراً، وذاع صيته في الخارج قبل الداخل، لم ينل المكانة التي حظي بها من هم أقل منه شأناً، وكان التجاهل كثيراً ما يعتري العلاقة بين محمد الثبيتي وهذه المؤسسة التي لم تكرمه إلا بعد موته! وعلى المستوى الثقافي غير الرسمي، تسابق هذا الوسط على إنجاز فعاليات لمحمد الثبيتي أثناء مرضه وبعد موته. وبعد عامين على موته، أجد مقولاته وآراءه صحيحة وقوية عن هذا الوسط، بل عن الحياة والناس عموماً، فها هو النادي الذي كان محمد الثبيتي يقرأ عليه الفاتحة كلما مر بقربه ساخراً، يعج بالفوضى والمشكلات والشكاوى، وها هو الشعر يفقد بوصلته محلياً بعد وفاة الثبيتي، بل وجدت من مجايليه من يتنكر لفضله، ولبروزه بسبب مصاحبته لمحمد الثبيتي في رحلاته وأمسياته، إنه زمن الجحود يتجلى تماماً، وعانى منه محمد الثبيتي كثيراً.