أرِحْ كتفيك العاريتين عن حمْلِ رأسكَ.. إذ لا شيء فيك بات يقوى على حمْلِ هذا الرأس المتخم بالهَمّ.. أنخهُ إذن على وَسادةِ البحرِ المسجورِ.. ولا تتوانى في أن تنثر دموعك الثكلى على لحاف البحر الموشّى بخيوط حزنك.. ثم شُدّ سارية وثاق زِمَامِ مواجِعِكَ على وَتدِ السّهلِ.. وتوكَّلْ حين العاصفة على «ربِّ» الجبلِ «الجّودّيِّ».. واجعل من الجبل عاصماً إذ لا شيءَ يستقرُّ في المكانِ سِواه. *** دع عنك كلّ المحاريب المطليةِ بالقار.. كما أنّك لست على مقاسِها .. وتسوّر بساقيك النحيلتين: محراباً «للصيد» إذ فيه الدفءُ وفيه الرزق، وكلاكما يشبه الآخر.. امش يميناً.. واجعل لَظى الظهيرةِ في قفاك.. لا تكترث بالحجر المسوّم إذا ما نهش عقبك.. لا تلتفت.. امض قُدمَاً.. وبخطىً متئدةٍ سيرتسمُ على الرمل بؤس عرجك.. أو إن تشأ طريقاً آخر.. فخذ هذا المنعطف الحاد.. وهو من سينتهي بك جدارُه الصّلد إلى أقصى اليسار.. ستجد حينذاكَ في الجوار.. أنّ ثمة بيوتاً: «الفقر» برفقته بقايا إنسان.. وفي قِبْلةِ بيوت الصفائح: «محراب الصّيدِ» الذي مرّ ذكره قبلاً.. رتّل بصوتك الشجي – في بؤرة ضوء المحراب. *** عرّت المرآة وجهَك.. فبدوتَ صِفر الملامح.. تخونك المرآة أكثر من مرّةٍ.. وبخاصةٍ كلما كنت قريباً منها.. تأبى عليك كرامتُكَ إلا أن تقتحِمَ المرآةَ بذلك الشيء الناتيء من جمجمتك.. فتتشظى على إثر ذلك المرآةُ. وتتناثر ملامحك.. عصيّةٌ على أن تنتظمها جملة مفيدة. أنتَ إذن من غير وجهٍ.. وساعداك رملٌ.. وليس لك إلا هذه القدم النحيلة والتي لا تحسِنُ إلا أن تعرج بها .. فكيف إذن.. ستعْبُر ما امتدّ من طولِ نفقِ العتمة.. وكل ما يحيط بك وهاد أو حفر؟! *** أخشى أن يطول بك الانتظار.. ولن يتغيّر شيءٌ.. وحينها يكون الأهون عليك: أن تمتطي صهوة الجنونِ من أن تعيش ب:»التقسيط»ِ –غير المريح- بقية حياتك! أن تموتَ مجنوناً خير من أن تنفقَ: «فقيراً»!.. تباً لهذه القتامة -والسوداوية- ورغم ما تَشي به من عمق المعاناة إلا أنّها -وعلى الرغم ثانيةً من جحيم بؤسها- ليست قَدَراً يتعذّر الانفكاك عنه! *** أُنصِتُ جيداً.. لأعماقك وهي تضجُّ بزغاريد الحياة.. وبموسيقى مسرّتها.. فعالمك مِن الداخل خصبٌ.. وسيرتك الحياتية تتغذّى ب: «البحر».. ليس ل: «إنسان جيزان» سوى التّغني بالحياة.. وإن هو ماتَ في اليوم أكثر من مرّة.. وحده –ابن جيزان- مَن يُجيد التغنّي بالحياة والاستمتاع بالإنصات إلى إيقاعِها.. وللغناء – يا سادة- في هذا السياق طاقة دلالية تحيلُ على سجلاّتٍ رمزيّة.. يُمكن أن تذهب بنا باتجاهاتٍ تأخذنا إلى: حيثُ ما ثمَّ إلا هذا: «الإنسان» بملامحه وعَظْمِه. *** يقيناً لا مريةَ فيه.. أنّ كل نفط يتخذ له من باطن الأرض سكناً .. سيأتي عليه يومٌ وقد نضب!.. مثل حلمٍ صار ملحاً فأذابته مدن الهجير. غير نفطك -يا جيزان- إذ هو عصيٌّ بالمرّة على الذّوبان.. ذلك أنّه أقوى من كل هجير!.. فالنفط فيك يا: «جيزان» هو: «الإنسان» إذ يتحدى – بإيمانهِ- تنين البحر ومحرقة الشمس وممحاة التهميش. إنّ النفط: «الجيزاني» يرتبط بكائنات من لحم ودم ولسان مبين.. فالنفط إذن ليس شيئاً آخر سوى: «إنسان جيزان».. كما أنه في المقابل ليس كائناً بيولوجيّاً فحسب.. وإنما هو: حياة اجتماعية مشّعة.. ومناطات إبداع متألقة.. ووعي انتماء وولاء. *** يُمكنك أن تستوقفَ أيّ: «جيزانيٍّ» يظهر على مسرح أحداثك.. واسأله عن كلّ شيءٍ دون أن تضمر شيئاً.. ذلك أنّ لكل شخصية: «جيزانية» حكايتها المخضلّة بالبوح ..والتي وإن توارت تفاصيلها خلف ستر: «حيائها».. إلا أن تلك الحكاية تظل مفضوحةً .. إما بالصوت المتهدج أو بقسمات -صاحب الحكاية- تلك التي هي بحد ذاتها لغة صارخة. *** غواية البحر- في جيزان- يدفع بأهله إلى موانيه.. بحسبانها الوسيلة الملائمة لسرد الأسرار.. ولئن أفلح البحرُ في رسم الفرح.. فإنه لا يلبث أن ينقش الفجيعةَ في ليله الساكن .. إذ صار معبراً للحديث عن الفقر والحرمان.. وصار أداةً لتحليل الظواهر الاجتماعية -المؤلمة- كلّها.. وذلك عبر حكاياتٍ يُبدعها البحر نفسه بوصفه: فتنة.. غواية.. وموضوع رغبة.. لا تعجبوا.. فالبحر في جيزان إن هو إلا: مصدر للخطيئة كما أنه مصدر للغفران. *** وبكلٍّ.. فمتى ستدّقُ ساعة: «الإعلان» عن اكتشاف الاستثمار في نفط جيزان؟! أتمنى أن يكونَ ذلك قريباً.. ف: «إنسان جيزان» ملّ بريق الألوان.. وهي أوشكت أن تخذله.. ومع هذا لا يحبُ أن يمحوها.. لأنه يحب: «وطنه» ويعشق: « قيادته»!. *** أما أنتَ- يا حبيبي.. يا ابن جيزان- فأتمنى عليك.. ألاّ تخذلك نفسك الأمارة بالخيبات.. وادفع كل خيباتك – بعد اليوم- بقاع البحر.. لن يقصم ظهرك فقرٌ بعد اليوم.. وأما ما تخشاهُ مِن مشتقات: «الفقر» التي تحيط بك إحاطة السوار بالمعصم.. فستهزمها مشتقات : « النفط» بإذن الله.. وعليه.. فأنا واثقٌ.. بأنّ جسدك العاري هذا الذي تعشقه الشمس.. سيتدثّر عما قريب بغيم النفط.. وستنمو زهرة حلمك.. بين الزند المنهك.. وبين مشرق شمسٍ ترقد في عين حمئة. وإبّانها.. ستكون لك: «شجر» ولن تُغلّق الأبواب دونها.. وستراود أنتَ الأغصانَ عن ثمارها.. وسيشهد: «الحريد» موسماً غاية في الانتظام.. حينها ستحسده فوضى الأسماك على ضفة البحر الأخرى. انتهت لعنة: النفط.. وحلّت: رحمة البحر.. وسائس الماء خير لك من نادل النار! *** تنفلت اللحظةُ بين يدي اللغة.. فيغدو حرفي في رمقه الأخير بسببٍ من الدهشة التي يصنعها النفطُ / الإنسان ذلك الذي يقطن: «جيزان».