مرّةً، سمعتُ بعضهم يعلن سبباً لرفضك.. وهو أنك غربية الولادة والمنشأ.. إذْ ولدْتِ هناك من رحم (الديموقراطية) بإشراف طاقمٍ طبّي (ليبرالي)، لذا فأنتِ لا تصلحين لنا! فلماذا لا توضّحين وتدافعين عن نفسك وتقولين مثلاً: أنا بنتُ كلّ الجهات. شرقيّة وغربيّة.. شماليّة وجنوبيّة ريحي. وأنا أُمٌّ لمن تزعمون أنني بنتٌ لها وأم لبقية أخواتها! مِن تحتِ عباءتي خرجتْ كل القيم التي تنادي بها أديان الرّب. ومِن (صدري) المتدفق شربتْ أمم من قبلكم، وتشربُ أممٌ من حولكم، وستشرب أمم أخرى ستأتي من بعدكم، كلهم عَبّوا من (حليبي) الذي هو حليب الحياة، فما مسهم السوء بل ساروا، بخطى واثقة، إلى الشمس! انتظري سيدتي الحرية؟ الآن عرفتُ سِرَّ عدائهم وكيدهم لك.. إنّها (الأسماء)، وفوبيا المصطلح، قاتلها الله، ورعبُها الذي تصبّه فوق أرواحهم، كما يُصبُّ من فوق رؤوس المجرمين، الحميم.. فما ضرَّكِ لو كنتِ أسميْتِ ابنتك «الديموقراطية» أو الأصغر منها «الليبراليّة» بأيّ اسمٍ آخر يعشقونه ويتحرقّون لسماعه وترديده ولا يملّون! وأنتِ…؟ ألم تفكري في البحث عن اسم جديد، يغني عن اللهب المختبئ في (حاءك) والشّرر الطالع من اتحاد (الرّاءيْن) في راءٍ شددتها الغواية الأولى وألقتْ بها في (الحاء)، ف(شاع) سر هذا الوجود! بيد أنَّ أكثر ما يؤرّقني، سيدتي الحرية، شيئان هما بيتُ (الأنين): يعذّبني أولاً أنْ أعرفَ كيف سمحتِ أنْ يتغيّر معناك في قاموس العرب؟ لماذا في كلّ مكانٍ خارج حدودنا، كعرب، أنتِ صورةٌ واحدة هي صراعُ الإنسان ونضاله ضد الشر والظلم والقهر والاستبداد من أجل أن يستقلّ و(يتحرّر) ويحصل على (حقوقه) كاملة غير منقوصة؟ لكنك عندما تلجين باب دنيانا العربية نراك بصورة أخرى، مع أول خطوة تخلعين على نفسك ثوب (دلالةٍ) جديدة حيث «السيادة الأرستقراطيّة» فيغدو (الحُرُّ)، والحالة هذه، هو «الإنسان الذي يتميز عن العبد ويسمو عن تابعه».. يا لبُؤْسِ الدلالة، ويا لِوقاحة المعنى! بماذا أغروك لتنحرفي عن سياق النص الأصلي لوجودك وتُزيِّفي رسالتك العظيمة؟ هل أنتِ رخيصة إلى هذا الحدّ؟ أم أنّ العيب في اللغة؟