كذب المنجمون ولو صدقوا، وكل نصاب ضحيته طماع، وكل دجال ضحيته جاهل، وهؤلاء المنجمون لا تعدمهم الوسيلة أو الحيلة، ويقع حتى كبار المثقفين وعِلية القوم في أفخاخهم. ومن أذكى من أنجبتهم البشرية «آرثر كونان دويل»، مبتكر شخصية «شيرلوك هولمز»، ومؤلف رواياته، وكان صديقاً للورد كرومر المندوب السامي البريطاني في مصر أيام الاحتلال، وحضر إلى مصر في أوائل القرن العشرين وقام بنزهة نيلية في نهر النيل بإحدى البواخر. وهذا الرجل العبقري، الذي يعد أنموذجاً في الذكاء، وقع ضحية للدجالين الذين أقنعوه بإمكانية تحضير روح أمه المتوفاة، وبعد أن دفع مبلغاً كبيراً من المال لهؤلاء الدجالين، أخذوه إلى غرفة متواضعة، ثم أطفأوا الأنوار، وساد الظلام، وأطلقوا البخور، وبدأوا في عملية التحضير، ووضع كبير الدجالين قفازاً قطنياً في يده، وأصدر أصواتاً، وأعلن عن حضور روح أم «آرثر كونان دويل»، وقال أحد الدجالين في سره ضاحكاً «جئناً لنطلع روح أمه» .. وبعد قليل بدأ «شيرلوك هولمز»، الذي يحل أعقد الألغاز يبكي وينتحب، نظراً لحضور روح أمه، ثم طلب من الدجال أن يسمح له بتقبيل يد أمه، فمد الدجال يده ذات القفاز في الظلام، وراح «شيرلوك هولمز» يقبلها ويبلل القفاز بدموعه وهو يصرخ (أمي .. أمي). وطبعاً عاد هذا العبقري إلى بيته، وحكى بعدها كثيراً عن ذكاء وعبقرية «شيرلوك هولمز» ونجاحه في القبض على المجرمين، لكنه لم يتحدث عن فشله في التعرف على الدجالين!