يتحاشى بعض المسؤولين لدينا الحديث عن الفقر بشكل أساسي. وكأننا في مجتمع متحضر وغني ومرفه يخلو من البدو الرحل ومن قرى حدودية ومن معوزين في شتى أصقاع البلاد.. الحديث عن الفقر لدينا حديث غريب مريب. يذكرني تماماً باستعراض الجمعيات والهيئات والجهات الخيرية بإنجازاتها في الكتيبات السنوية التي تتأرجح بين سلات الغذاء وحفر الآبار وكسوة الأيتام، ولو تيقنت في مخرجاتها لوجدتها لدول خارجية، وهنالك سكان قرى يتطلعون لصندوق مواد غذائية أو لإعانة تكفيهم شر السؤال وتكسوهم وتقيهم شر الزمان. الحديث عن الفقر ينصب على المدن وأرقام عشوائية للتوظيف وأرقام تلقتها برامج الضمان واستقبلتها ولم تذهب للبحث عنها. أود أن أعرف ماذا قدم صندوق مكافحة الفقر والصناديق الخيرية الأخرى. أشاهد برامج فضائية وإعانات بالملايين لدول في القارة السمراء ومعوزين في تهامة قحطان يطبخون الأكل على الحجارة وينامون بين الثعابين. أرى أن الحديث غير موضوعي عن قافلة مكافحة الفقر وجهودها وأهالي قرى وأحياء في المملكة لا يجدون ثمن الدواء والكساء. نشاهد طائرات الأمن تتجه لإغاثة المحتجزين في السيول ونرى توزيع الأغذية والكسوة في رمضان. وكأننا ننتظر الكوارث والمواسم كي نتحرك وضريبة هذه الإعانات تصوير وهالات إعلامية وحلقات من التمجيد لهذه الأعمال التي تعد من المسلمات في أقل بلدان العالم. المعوزون يحتاجون إلى صدقة دائمة وإن قلت، والفقراء لا يحتاجون إلى شهادة. ومن أراد البحث عن الفقر بكل ملامحه وعناوينه عليه أن يسأل عن الفقراء في القرى البعيدة والمنسية. وأحياء المدن المشهورة بالفقر والعوز لا يحتاج إلى حديث مطرز بالفوقية عن ملامحه أو بإنجازات وهمية أو بحلول موسمية. الفقر موجود، ويحتاج إلى وعود، وإلى بحث وعمل ميداني حقيقي من الجهات المسؤولة ومن فاعلي الخيرلإنهائه خصوصاً وأن القيادة وفرت كل سبل الدعم إلا أن الوزارات والجهات الخيرية تتغنى على الأمجاد والبهرجة الإعلامية وعلى الكتيبات والتقارير السنوية الذاتية البعيدة عن الموضوعية.