على مدى 28 عاماً، يؤكد مهرجان الجنادرية، تفاعله مع القضايا التي تهمُّ الأمة، لذلك أصبح بفضل الله ثم بجهود اللجنة العليا المنظِّمَة لفعالياته الثقافية، للعمل على استمراريته وتطويره، وبما يلقاه المهرجان من دعم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، وأمير الحرس الوطني الهُمَام متعب بن عبدالله، لذا أصبح للمهرجان كيانه ومكانته بين المهرجانات الثقافية التراثية الجميلة في العالم، وإذا استعرضنا ما يُقامُ من مهرجانات ومناسبات ثقافية عديدة في عالمنا العربي والإسلامي، فإنها على كثرتها وتنوعها، لم ينجح منها إلا القليل، في حين حقَّقَ «الجنادرية» النجاح والشهرة والانتشار؛ لأنَّه يطوِّر نفسَه عاماً بعدعام، فما أن ينتهي سامر نشاطات العام، حتى يتم البدء في التخطيط لدورة العام القادم أملاً في استمرارالنجاح، والعمل على تحسين المستوى للأفضل، وهذا ما جعل «الجنادرية» في مقدمة المهرجانات الثقافية والتراثية العالمية؛ لأنَّنَا جميعاً – مسؤولين ومثقفين – نراهن على حتميَّة السباق والفوز فيه. وعاقدون العزمَ على مواصلة التميز بتحدٍّ كبير، وإرادة قوية، وقدرات لا تعرف المستحيل، وهذا ما يراه المثقفون العرب (مهرجان الجنادرية الوطني) الأكثر شموليةً والأعمق أصالةً، والأفضل من حيث إنتاج ثقافة تنطلق من حوار واعٍ متواصل. ولم يكن أن يتحقق لنا هذا، إلا بتضافر الجهود، وبمواصلة دعم المسؤولين عن المهرجان، مادياً ومعنوياً، وهو من العوامل التي ساهمت في إنجاحه واستمراريته، حتى في أشدِّ الظروف. بل إنَّ مهرجان الجنادرية تفوَّقَ وتألَّقَ بالإعداد المتأنِّي الجيِّد والعمل الدؤوب في تنويع نشاطاته، ومواكبة قضايا الأمة، وما يتميَّز به فريق العمل بكوادره وقياداته، يتجسَّد في رهانهم وعزمهم على المضي قدماً لاستمرار العطاء والبقاء على مواصلة النجاح، عاماً بعدعام، والتطلع لمستقبله، فهدف مهرجان الجنادرية كبير، وطموحاتنا في نجاحاته واسعة. وأكثر المهرجانات والملتقيات العالمية الكبرى التي نظمت، بقيت آثار فعاليات حواراتها، وما تم التوصل إليه من نتائج وتوصيات على طاولة حوار مثقفيها والمشاركين فيها، ولم تغادرها أوراقهم وما توصلوا إليه من آراء ومقترحات، بينما نجد أنَّ آثار حوارات الجنادرية تستمر وتتجذَّر، وتترك آثارها في حوارات ولقاءات المشهد الثقافي العربي، وتحسب من منجزات الجنادرية المثمرة، وتنبثق منها حوارات أخرى في قضايا جانبية أهم، تحدث آثارها الإيجابية النافعة في مشهدنا الثقافي. لقد حقَّقَ المهرجان الوطني للتراث والثقافة، أمنيةَ المفكرين والأدباء العرب في إيجاد ملتقي فكري يجمعهم ويبلور توجهاتهم في قضايا الأمة الفكرية، وصولاً إلى قناعات مشتركة ورؤى معاصرة، تشكِّل وحدة كلمتهم، وقد آمنوا أنَّ ذلك قد تحقَّق فعلاً على أرض هذه البلاد الطاهرة، مهد الرسالات ومنبع الحق والحكمة، وقد فتحت هذه البلاد تاريخَها وحضارتَها مستلهمةً ماضيها المشرق عبر تراث خالد وفكر مستنير وحضارة أصيلة. ولهذه البلاد بُعدُهَا الثقافي وتاريخها العريق الذي تتوحَّد في الاهتمام به كل الأهداف وأسمى الرسالات الفكرية؛ إذ إنَّ الثقافة الإسلامية بموروثها الملهم جعل من رسالة المهرجان وأهدافه منهلَ كل مفكر ومدخَّر كل مثقف يؤمن بأن أمتنا لن تكون قوية ولا متماسكة إلا بوحدة كلمة مفكريها وعلمائها وصدق مقاصدهم.