حقق المهرجان الوطني للتراث والثقافة، أمنية المفكرين والأدباء العرب في ملتقي فكري يجمعهم ويبلور توجهاتهم في قضايا الأمة الفكرية، وصولًا إلى قناعات مشتركة ورؤى معاصرة، تشكل وحدة كلمتهم، وقد آمنوا أن ذلك قد تحقق فعلًا على أرض هذه البلاد الطاهرة مهد الرسالات ومنبع الحق والحكمة، وقد فتحت هذه البلاد تاريخها وحضارتها مستلهمة ماضيها المشرق عبر تراث خالد وفكر مستنير وحضارة أصيلة. ولهذه البلاد بعدها الثقافي وتاريخها العريق الذي تتوحد في الاهتمام به كل الأهداف وأسمى الدلالات الفكرية، إذ إن الثقافة الإسلامية بموروثها الملهم جعل من رسالة المهرجان وأهدافه، منهل كل مفكر ومدخر كل مثقف، يؤمن بأن أمتنا لن تكون قوية ولا متماسكة، إلا بوحدة كلمة مفكريها وعلمائها، وصدق مقاصدهم، ومن البديهي أن أي ملتقى لأصحاب الرأي الحر والفكر المبدع، لا يمكن أن يثمر ويحقق فيه المفكرون غايات حرياتهم الفكرية، إلا بتوفر المناخ الملائم للحوار وتبادل الرأي، وهو ما وفرته بلادنا في مهرجانها الوطني الثقافي الذي هو بمثابة العرس الثقافي للمفكرين والأدباء العرب، حيث توفر لهم فيه المناخ الصحي للحوار في حرية وشفافية، وهو ما يؤكد أهميته ورسوخ أهدافه. ورغم ما أبدوه من ملاحظات وثغرات، إلا أن الجنادرية، تظل مشروعهم الثقافي الذي يتمنونه، والذي يتصدون به لكل مشروع آخر يهدد وحدة الأمة الفكرية ويجمع كلمتهم في حسم الكثير من القضايا المصيرية للأمة.. ويعتبر المفكرون العرب، منبر الجنادرية.. منبر الكلمة الصادقة والرأي الحر. ويكفي أن تثار على المنبر أكثر القضايا الفكرية والسياسية سخونة وأهمية، كما هو عنوان ندوتها الكبرى هذا العام (العلاقة الجدلية بين المثقف والسلطة). ما يهم مستقبلنا ومستقبل فكر أمتنا، نجد في المهرجان ومناخه الثقافي الواسع، ما يشغل الأمة من أسئلة شائكة وأيديولوجيات معقدة، في ظل ظروف، يُمتحن في أزماتها وإشكالاتها المفكرون والمثقفون العرب والمسلمون، ووجد المثقفون العرب في ملتقى مهرجان الجنادرية الثقافي العربي ما يحقق حلمهم، ويجمع كلمتهم بعيدًا عن أيديولوجيات التغريب المغرضة والنظريات الفكرية التي تثير الجدل وقد وحدت عناوين ندوات المهرجان، بين المفكرين في حوارهم الإيجابي، للقضايا الفكرية المعاصرة، بدءًا من صراع الحضارات مرورًا بالعولمة الثقافية ثم حوار الأديان والثقافات، وقد شاركت النخب المؤثرة في صناعة الرأي وبلورة الرؤية، في الطرح وإبداء الرأي. ويأتي التركيز على قراءة فكر الآخر والحوار حول الكثير من طروحاته وأفكاره، كهدف مهم وبلا شك نذكر كيف قرأ المتحاورون في الجنادرية عام 1418ه أفكار فوكو ياما الجدلية في كتابه (نهاية التاريخ)، وخرجوا بآراء فندت نظريته وتحاورت مع أفكاره وذلك تأكيدًا على أهمية التفاعل والتعامل مع الآخر، وتعريفه بقيمنا وحضارتنا، واعتزازنا بثقافتنا وموروثنا الثقافي والفكري ونقل الصور الإيجابية فيه والمعاني السامية التي تتضمنها رسالته.