في علم (الأنثر بيولوجيا) قاعدة أساسية تقول (كل البشر يطلق عليهم لقب إنسان مجازا، لكن هناك فرقا بين الإنسان المجازي، والإنسان الحقيقي، والفرق بينها وواضح وجلي، فالإنسان المجازي: هو من يحمل لقب إنسان مجردا من الخصائص الإنسانية الجميلة فهو مجرد كائن جامد لا تتحرك مشاعره أو أحاسيسه نحو مساعدة الآخرين، أو الإحساس بهم أو التفاعل معهم بأي شكل من الأشكال فهو أناني الذات وأحادي النظر (برجماتي) نفعي التوجه لايهمه إلا نفسه ومصالحه الشخصية، ولايمكن أن يبذل جهدا أو عطاء أو وقتا إلا بمقابل، هذا هو الإنسان المجازي الذي لا يحمل من صفات الإنسانية إلا الاسم مجردا من الإنسانية الحقيقية، فهو كالزجاجة الفارغة التي تحمل داخلها هواء فارغا لا يستفاد منه. أما الإنسان الحقيقي: فهو ذلك الإنسان الذي يحس ويشعر بالآخرين مهما كان بعده عنهم، يتفاعل معهم، ومع همومهم وشجونهم وقضاياهم، ويبذل قصارى جهده في سبيل إدخال السرور على نفوس الآخرين، ويمنحهم مساحه من وقته، ومن جهده، ومن فكرة، ومن تفاعله، حتى لو لم يكن بينه وبينهم قرابة أو صلة بل يجسد الإنسانية في أنصع وأزهى صورها، ومدلولاتها المضيئة. من هذا المنطلق: تحدد معالم الإنسانية الحقيقية التي تسمو وتصعد إلى مستوى الخصائص الإنسانية الأصيلة التي لن تغيرها عوامل الظروف، ولن تؤثر فيها المصالح فهي ثابتة في نفوس الأسوياء من البشر، تميزهم عن غيرهم من بني البشر، الذين يحملون صفات الإنسانية المجردة من تلك الصفات الجامدة جمود الجبال، ومشاعرهم وأحاسيسهم متخشبة لا تتعدى محيط أجسادهم الصغيرة، وقلوبهم الضيقة، وأرواحهم الكئيبة. ومن خلال تجربتي التي عشتها وتعاملت من عدة أنماط من البشر مما وضح حقيقة مهمة في الفروق بين البشر، منهم من كان يمثل إنسانا مجازيا لا يحمل من صفات الإنسانية سوى الاسم، لا يتفاعل حتى في الحدود الدنيا التي قد لا تكلفه بضع دقائق من وقته، ويتصف بالصلافة والجفاء وسوء الأخلاق. لكن عزائي الوحيد أن هناك نماذج إنسانية مضيئة يجسدون معنى الإنسانية الحقيقية بأنصع صورها المضيئة، أعطوني من وقتهم، ومن فكرهم، ومن اهتمامهم الشيء الكثير، غمروني بلطفهم، وتفاعلهم، وتحملوا من أجلي ومن أجل غيري أكثر مما نطلبه منهم، وهذا يدل على طيبة قلوبهم الطاهرة ونبل مشاعرهم التي تدل على إنسانيتهم الحقيقية، ومنهم تعلمت الوفاء، والإيثار على النفس، وعرفت عن طريقهم أن البشر أنواع ليس كبعض بل مختلفون، فهناك من تصحر قلبه وأصبح مثل الصحراء القاحلة التي لا يمكن أن يزرع فيها نبات طيب مهما جلبنا لها من مؤثرات طبيعية وبيئية فقد تحولت إلى أرض بور من الصعوبة أن تكون بيئة صالحة ومناسبة لنمو القيم والصفات الإنسانية. وما يثلج الصدر أن المجتمع لا يزال زاخرا بنماذج إنسانية إيجابية جميلة، لم يتخلوا عن صفاتهم الجميلة التي أصبحت سمة في نفوسهم الطيبة وأرواحهم الزكية، مهما تعرضوا له من عوامل تعرية أو عوامل تغييرات فسيولوجية أو زمنية، لا تغير فيهم شيئاً، بل لازالت أصالة نفوسهم وتركيبتهم الطيبة كالجبال الشامخة لا تحركها الرياح ولا تؤثر فيهم العوامل الطبيعية والأحقاد الإنسانية مهما كانت قاسية ومؤلمة.