«وكنت أظن أنا سوف نبلى ،، وما بيني وبينك لا يزول».. !! من طبيعة البشر أنهم حين يحبون أمرا ويتعلقون به بشدة، يتولد في نفوسهم الاعتقاد أن مشاعرهم نحوه، في قوتها ودرجة ارتباطها وتعلقها به ستظل ثابتة على حالها إلى الأبد لا يغيرها شيء ولا يزحزحها حدث!!. لكن قلوب الناس على غير ما يظنون، قلوب الناس ريشة في مهب أيامهم، وهناك من طوارق الأيام ما يغير نبض العواطف علوا وانخفاضا، فالقلوب وإن تعلقت بأمر ما لزمن طويل أو قصير، ما تلبث أحيانا أن يسوق إليها تبدل الأيام والأحوال ما يوهن التعلق ويطفئ الميل، فإذا هي مرخصة لما كانت تضن به، زاهدة بما كانت تكنزه بين الجفون وفي طيات الهدب، وقد تقرر التخفف من ثقل حمله فتنفضه عن جدرانها ومن زواياها عامدة راضية لتعود كما كانت، حرة من كل ما كان يأسرها إليه ويربط بينها وبينه. وحين يتهاوى المحبوب السابق من سمائها، تحدق فيه ببرود ترمقه بعين جامدة كنظرة المحتضر إلى زخرف الدنيا، فما عادت ترى فيه ما يجذب أو يغري. تتركه يهوي أمامها سريعا في بئر النسيان والإهمال غير مصحوب بدفقة ندم ولا مضيء هاويته ومضة حنين، بعض القلوب تسلخ المحبوب من جلدها فإذا هو بعيد عنها بعيد، بعيد، كأن لم تعلق به قط، ولم تقع في إساره يوما!! العباس بن الأحنف في بيته السابق، يجتر مرارة تجربته الخاصة بعد أن أسلم قياده للظن فإذا به يأخذه في طريق مقمر حالم لكنه ينتهي به إلى السقوط في بئر دامس الظلام. كان ابن الأحنف محبا صادقا في حبه ومن كان هذا شأنه فإنه لا يرجو من دنياه أكثر من أن تبادله الحبيبة حبا صادقا كحبه وأن تخلص له كإخلاصه لها فتبقى العلاقة بينهما خالدة لا تزول، كان هذا ظنه في قلبه، وظنه في قلب الحبيبة أيضا. أسرف العباس في ظنونه فألبسها ثوبا مزهرا موهما نفسه أنه يعيش واقعا لا خيالا. كان كلما خفق قلبه بالوفاء للحبيبة والعزم على عدم التفريط بها، يظن أن قلبها يجاوبه وفاء وتشبثا، كانت هذه أغلى أمانيه وأحبها إليه فسيطرت على إحساسه وتمكنت من نفسه وترسخت في أعماق روحه، ترسخت وترسخت حتى غاب عن خاطره أنها مجرد أمان يتمناها ولا يملك تحققها. فاجعة العباس سببها أنه كذب على نفسه ثم صدق كذبته، أوهم نفسه أن ما بينه وبين الحبيبة من متانة الحب باقِ إلى الأبد لن يمزقه عناد ولن يهزمه خلاف، وصدق الوهم!!. نجح العباس في بيته الشجي هذا، أن يجسد كل مشاعر المرارة والحسرة التي سرى سمها إلى قلبه بعد أن اكتشف أنه في عذب ظنونه لم يكن أكثر من كاذب على نفسه خادع لها. هناك ملايين من البشر مثل العباس، يسرون بإحاطة أنفسهم بجبال من زيف الظنون الخلابة والأماني الجميلة، فتخدع قلوبهم وتتوهم أن ما تعيش فيه حقيقة لا زيفا من الظن، وبعد أن تكشف الأيام كذبهم، يصعقون بالصدق الذي عموا عن رؤيته، وآنذاك، ليس أمامهم سوى أن يرددوا مع العباس بيته الباكي الحزين. فاكس: 4555382 1 للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة