مخدوع من يظن أن العلم، لدينا، طريق النجاح والتقدم. وتائه من صدق أن من طلب العلا سهر الليالي لأن الكسالى يحصدون كل شيء بينما يذرع المتعلمون طرقات الدوائر والشركات بحثاً عن وظيفة تقيهم المذلة. كل الطرق تؤدي إلى النجاح أما العلم فلا يورث سوى الحسرة وما يتصلبه من أمراض تجعل المستشفيات بيته الأول. مزيفو الشهادات يديرون التربية ويتزعمون الثقافة، وسارقو الكتب هم الأكثر قراءة، وأصحاب اللغو هم ذوو الصوت المسموع والمؤثر. والبيروقراطيون متدنو التأهيل يقيمون الحواجز والسدود أمام كل حضور لافت ورؤية مختلفة. الصلات العائلية، والسمعة الحسنة بما تتضمنه من دلالات “التنبلة، والخنوع المستديم، ومهارات التقرب والتزلف، والقدرة على النوم غير المتقطع هي المؤهلات المطلوبة لنيل الحظوة الكبرى. العلم، لدينا، يشابه القصص الخرافية التي تقول افتح أربعين باباً تمنحك المتعة والكسب وتحقق الأماني ماعدا الباب الأخير الذي يدخلك متاهة لا خروج منها، وهذا الباب هنا هو المعرفة والتحصيل والجهد. مفهوم الذكاء يتبلور في التلون الاجتماعي، والبراعة تتجسد في الكسل، فمن لا يعمل لا يخطئ، ومن لا يخطئ هو شخص ناج من كل ضرر. النماذج الإيجابية شحيحة وهي مخالفة للقاعدة، بل لعلها لم تكن لتظهر وتفرض صوتها لولا رابطة أسرية أو قربها من مناطق التأثير. قبل أن يدخل الطالب الجامعة يتفرس في وجوه أقاربه لضمان وظيفة المستقبل، ويدفن المبدع أفكاره حتى لايخسر عمله، ويربط الموظف ترقيته وتقدمه برضى رئيسه وليس بكفاءته. حين كان المجتمع في بدايات تشكله، والوظائف حكومية ذات مسحة أبوية كان هذا الوضع مفهوما فكيف استحال العشوائي نظاما، والطارئ ثابتاً؟ من يعرف كفاءات علمية نالت حظها لتميزها العلمي فقط ؟ ومن يعرف موظفا تسنم جهة عمله بفضل تراكم تجربته الخلاقة؟ ومن يعرف مسؤولاً أحدث تغييرات فعالة في موقعه؟ بل من يعرف شخصاً كرم لأي من هذا مع تحديد نقاط تميزه؟ وفرة المال لا تخلق التنمية بل العقول هي محركها وجذوتها التي لا تنطفئ فهل نسير في طريق معاكس أقرب إلى التبذير دون إدراك مخاطر المستقبل؟