يعتبر المؤرخ الأستاذ عبدالرحمن بن سليمان الرويشد من المهتمين بتدوين تاريخ الأسرة المالكة، ولهذا حرصنا على الالتقاء به للحديث عن سيرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز منذ نشأته في كنف والده الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه وحتى توليه مقاليد الحكم بعد وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله. الحوار ربطه المؤرخ الرويشد بتوثيق لمراحل حياة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. في البدء قال الرويشد ل«الرياض»: للأمانة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله قائد رائد يمثل موقعه بكل صدق وأمانة، فهو مسلم محب لإسلامه وعقيدته وفارس وإنسان بما تعنيه كلمة الإنسانية. إنه محب لهذه الصحراء ولشعبه على وجه الخصوص وتلكم هي الخلفية الأساسية لسيرته ومع معرفة شعبه فمازال يكتشف يوماً بعد يوم أسرار العظمة في شخصيته وما يحمله في خُلقه من حق وخير وعدل وحب ورحمة. المؤرخ عبدالرحمن الرويشد فإلى نص الحوار: ٭ ماذا تعني بأن شعبه على علم به أطال الله عمره؟ - عندما أقول إن شعبه كان على علم به فإنما أعني أنه منذ شبابه ونعومة أظفاره فقد مدحه شاعر محلي شعبي قديم وهو شاعر العرضات المشهور فهد بن دحيم المعروف ب(فهيد) رحمه الله، في قصيدة طويلة وهذا الشاعر لم يمدح إلا الملك عبدالعزيز رحمه الله وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، فلقد كان شحيحاً في شعر المدح وشعره أغلبه الهجاء، وقد مضى على هذه القصيدة عشرات السنوات هي تعبِّر عن شدة إعجاب الشاعر بالملك عبدالعزيز في ذلك الوقت وعمره لم يتجاوز 20 عاماً، وقد بدأ ملامح النجابة على محياه، فالملك عبدالله نشأ في بيت عريق متضلع بروح الإسلام والعروبة في كل جزء من أجزائه، وله معرفة أكيدة بتاريخه وبيته وتبني آبائه وأجداده لدعوة الإصلاح الديني والاجتماعي والأخلاقي والدفاع عن مبادئ العقيدة الراسخة، حيث كان له إيمان بهذه الأشياء تماماً وهو على علم بتاريخ الأسرة السعودية وتقديم أرواحهم في سبيل إزالة كل شائبة من شوائب البدع والخرافات والأساطير والغلو عنها، كل هذا كان يعرفه ومطلع عليه الملك عبدالله بن عبدالعزيز منذ نعومة أظفاره وحتى صار ملكاً للمملكة العربية السعودية. ٭ وهل لنا معرفة شيء من هذه القصيدة التي مدح فيها الشاعر فهد بن دحيم الملك عبدالله في ذلك الوقت؟ - كما قلت أن الشاعر ابن دحيم رأى في الملك عبدالله ملامح الرجولة والأخلاق العالية وتنبأ له ولهذا خصه بهذه القصيدة وهي طويلة قائلاً مطلعها: يا من يودّي لي سلام ومكتوب سلام أحلى من سحاليب بلها سلام أحلى من ثمر جند يعسوب في نادي كل الشكالة مثلها الطيب ماهو وسط الأسواق مجلوب والطايله ماصعب مرقى جبلها عدّا بما اللي ما بعد داس عذروب يستاهل البيضا غلام حملها هذاك أبومتعب فلا شك محسوب كل النوايب شلتها ياجملها الطايلة والطيب والمجد له ثوب معلوم لو روحه بكفه بذلها لقد مضى على هذه القصيدة أكثر من نصف قرن عندما كان الملك عبدالله لايزال لم يشب عن الطوق لكن ملامح النجابة كانت بادية على ملامحه. ٭ جاء في معرض أبيات القصيدة (هذاك أبو متعب) هل كان خادم الحرمين متزوجاً ولديه أبناء في ذلك الوقت؟ - نعم كان لديه الابن متعب الأول والذي توفي ثم رُزق من بعده بالأمير خالد ثم الأمير متعب. ٭ إذاً منهج الإصلاح الذي ينهجه الملك عبدالله بن عبدالعزيز لم يكن وليد اليوم؟ - عندما ينتهج خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الإصلاح فهو لأنه يعرف - أطال الله في عمره - قيمة الإصلاح.. وآل سعود في الحقيقة إصلاحيون وليسوا فقط ملوكاً كما قال الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه (نحن آل سعود لسنا ملوكاً ولكننا أصحاب رسالة) رسالتهم الإصلاح والدعوة للإصلاح دائماً. ٭ هل لنا أن نعرف الكثير من حياة الملك عبدالله عندما كان صغيراً في السن؟ - خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز نشأ في بيت عريق متضلع بروح الإسلام والعروبة في كل جزء من أجزائه، فقد عاش في قصر والده الملك عبدالعزيز رحمه الله في «الديرة» في شمال الرياض المسمى (المربع) في رحاب ذلك البيت ليشهد والده العظيم الذي خاض المعارك من أجل توحيد أجزاء البلاد المختلفة ولم شملها في هذه الوحدة التي شملت كل أقاليم وقرى الجزيرة العربية وغيرها، وحدة ليس لها نظير في العالم، ولقد تلقى الملك عبدالله تعليمه الأول في مدرسة القصر حيث كانت مدرسة آنذاك أسسها الملك عبدالعزيز وكان ملتحقاً بالمدرسة في وقت مبكر من حياته. خادم الحرمين الملك عبدالله في صورة تعود للعام 7631ه «من أرشيف عبدالرحمن الرويشد» ٭ ما الذي كانت تضمه تلك المدرسة؟ - المدرسة تضم إلى جانب مواد التعليم المعروفة ثقافة متنوعة أخرى يتولى التدريس فيها فقهاء وعلماء على جانب كبير من العلم والتقوى والصلاح، وكان لدى خادم الحرمين الشريفين وهو آنذاك شاب صغير في سن الدراسة ميل للقراءة وحب الاطلاع لذلك كان كثير الاختلاط برجال الملك عبدالعزيز وبزواره، وكان يأنس إليهم كثيراً ممن كانوا يزورون الديوان أو كانوا موظفين في ديوان الملك عبدالعزيز وكان الديوان نفس القصر الذي يسكن فيه الملك عبدالله ووالدته، وكان الديوان يضم في ذلك الوقت مجموعة من المثقفين السعوديين والعرب أمثال الراوية الشاعر عبدالله بن أحمد العجيري، والشاعر الكبير محمد بن عثيمين وهو شاعر الملك عبدالعزيز رحمهم الله جميعاً، والراوية العجيري ممن يحفظ الأشعار وهو من قرّاء الملك عبدالعزيز من أهالي الحوطة وهو لصيق دائماً بالملك عبدالعزيز ويحفظ في رأسه كما يقول الأديب (يوسف ياسين) جميع كتب الأدب ولديه قدرة عجيبة على الحفظ تحدث عنه (يوسف ياسين) في جريدة أم القرى قائلاً: إنه كان يحفظ ديوان المتنبي، وكان من طلبة العلم على الطريقة القديمة ويروي أشعار العرب القديمة ويعرف الأماكن وسكنى العرب وكان يصحب الملك عبدالعزيز من الرياض إلى مكةالمكرمة على الجمال ويسأله الملك عبدالعزيز لمن هذه الأرض؟ فيقول: هذه أرض بني فلان ويورد شيئاً من شعرهم.. وهذه كانت تسكنها القبيلة الفلانية وكان الراوية العجيري نابغة من النوابغ النادرة. ٭ وهل كان الملك عبدالله بن عبدالعزيز يصحب العجيري معه؟ ومن هم الأدباء الذين كان يحرص على الاستئناس بهم؟ - نعم كان الملك عبدالله ممن يصحب معه ذلك الراوية ومن يعرفه في صغره وشاعر الملك عبدالعزيز محمد بن عثيمين وله ديوان معروف، هؤلاء الشعراء كان يصحبهم الملك عبدالله ويستمع إلى أدبهم ويأنس بهم ويختلط بهم في الديوان الملكي، وكذلك رئيس الديوان الملكي في ذلك الوقت وهو أول رئيس للديوان إبراهيم بن معمر - رحمه الله - وكان ابن معمر مثقفاً أيضاً تعلّم في عدد من البلاد العربية وترأس الديوان للملك عبدالعزيز فكان أيضاً ممن يختلط بهم الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ومن العرب رئيس الشعبة السياسية عند الملك عبدالعزيز - رحمه الله - الأستاذ يوسف ياسين ورشد ملحس وخالد الحكيم وخالد القرقني وغيرهم، ولقد يسّر له ذلك الاختلاط بهم بحكم وجود مسكن الملك عبدالله في نفس القصر الذي يضم الديوان، وكان الملك عبدالله ووالدته المرحومة الأميرة الفهدة بنت زعيم شمر المعروف عاصي بن شريم - رحمها الله - كانت تسكن في قصر الديرة القديم بالقرب من الديوان وهذا سهل للملك عبدالله الاختلاط في أماكن الضيافة والتي تشهد حضور ضيوف الملك عبدالعزيز رحمه الله من أنحاء العالم منهم على سبيل المثال (فليبي) ومحمد أسد وشخصيات أخرى حيث كان قصر الضيافة في نفس القصر الذي يسكن فيه الملك عبدالله.. والملك عبدالعزيز دائماً أولاده حوله فهم يختلطون بضيوف والدهم ويستمعون لما يدور من حديث وهذا جعل للملك عبدالله رصيداً من العلم والثقافة والخبرة بأنحاء هذا الكون في ذلك الوقت حيث كانت الرياض منقطعة عن البلدان الأخرى لكن بهذه الوسيلة حصل الملك عبدالله على ثقافة جيدة في هذه الناحية. خادم الحرمين الملك عبدالله والأمير بندر والأمير مشعل والأمير طلال خلال إحدى المناسبات «من أرشيف عبدالرحمن الرويشد» ٭ هل كان للملك عبدالعزيز مكتبة في القصر تحوي الكتب التي تنمي ثقافة أبنائه في جميع نواحي الحياة؟ - كان للملك عبدالعزيز مكتبة ضخمة في نفس القصر ومخازن للكتب كانت في نفس القصر والملك عبدالعزيز كان حريصاً على طباعة الكتب، وقد ذكرت أن الملك عبدالله شب في الوقت الذي بدأ الملك عبدالعزيز ينظم شؤون مملكته حيث كانت لديه مكتبة ضخمة ولديه مخازن كتب تطبع كتباً دينية وأدبية وتاريخية وميسرة وتوزع مجاناً، وهذه المكتبة كان يشرف عليها إبراهيم الشايقي رحمه الله، وهي ملاصقة للبيت الذي كان يسكنه الملك عبدالله ووالدته بالقصر الملكي فكانت مطالعاته هو واخوته من الأمراء الذين في مثل سنه وممن هم أكبر منه دائمة لحبهم للقراءة والتزود بالمعارف وخاصة الجوانب التاريخية والفروسية والعلوم العسكرية وما هو متوفر في الدواوين من المكتبات وما من شك فإن الفضل الأكبر بعد الله تعالى في تربية خادم الحرمين الشريفين وتعليمه وتكوين شخصيته الدينية والفكرية والروحية والأخلاقية يعود لوالده الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه الذي هيأ له ولإخوته منابع العلم، كما أتاحت له صداقته وعلاقته الحميمة بموظفي القصر ورجال الملك عبدالعزيز الأوائل زخماً من المعارف والرجولة والشهامة حيث أدرك الملك عبدالله كل أصدقاء السلاح مع والده وكل الشخصيات من آل سعود ومن رؤساء البادية وممن قاتلوا وجاهدوا مع الملك عبدالعزيز أدركهم الملك عبدالله واتصل بهم ورافقهم وأخذ كل ما يعنّ له عن والده لأنهم كانوا متواجدين في ذلك الوقت وكان الملك عبدالله في بيت والده وقريباً منهم ولم يتخلف عن مجال مجالس الملك عبدالعزيز وصحب والده أكثر من 25 - 30 سنة قريباً منهم في القصر ويحضر مجالسه ويختلط برجاله وكان يعرف كل شيء وهذه هي مدرسة الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي تخرج منها. ٭ تقصد أن تلك المدرسة (مدرسة الملك عبدالعزيز) كونت رصيداً معرفياً كبيراً للملك عبدالله؟ - مدرسة الملك عبدالعزيز كونت للملك عبدالله رصيداً جيداً لكيفية التعامل مع الإدارة والعلاقات العامة والتي مارسها بتفوق عندما باشر مسؤولياته كلها نتيجة لهذا الاختلاط ولهذا الرصيد من الاتصال بالآخرين، وكان اهتمام الملك عبدالله بالفروسية والعسكرية يمتزجان بتكوينه الفكري والعلمي الذي تلاقاه في طفولته المتمثلة في التربية الإسلامية والتمسك بالإسلام ومبادئه، وكان تأسيس الحرس الوطني في حقيقته نبتة جذورها من فهم جيل البطولة والجهاد والتوحيد. ٭ متى تأسس الحرس الوطني؟ - تأسس عام 1382 هجرية، وهو إرث لعصر الجهاد والتوحيد المنبعثين من خصائص العقيدة، فهو قبس من تاريخ المملكة، ولم يمض وقت كبير حتى أصبح للحرس الوطني صيغة عصرية جديدة تتناسب مع المرحلة التي عاشتها المملكة وتولى مقاليده في عام 1382ه الملك عبدالله بمرسوم ملكي وكان الانطلاقة الكبرى لذلك الجهاز حيث طوره في جميع المجالات التدريبية والتسليحية والخدماتية، وقد أشرنا إلى أن مؤسس هذا الصرح هو من تولى تربية قائدنا اليوم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز فكان لتربيته الأثر البارز في حياته، حيث تولاه بالتربية والرعاية وهو يخطو خطواته الأولى وعمّق في نفسه جذور الفطرة وصفات النبل والفروسية ونمّى فيه طبيعة العمل والفاعلية، حيث الفروسية هي الأخلاق والشجاعة والكرم والنبل والحنكة والتسامح، وهذه كلها متوفرة في أخلاق الملك عبدالله بن عبدالعزيز. ٭ القرارات المصيرية التي اتخذها ويتخذها الملك عبدالله هل كانت نتاجاً لهذه الخصال المكتسبة؟ - لو تأملنا حياة هذا البطل لوجدنا أن هذه الصفات قد تمثلت فيما يتخذه من القرارات والتوجهات ومنذ تولي مسؤولية ولاية العهد ونيابة مجلس الوزراء أسهم بجهود في بناء النهضة الشاملة وأثرى حركة الفكر والثقافة كما قام حفظه الله بدور ريادي على الصعد العربية والإسلامية والعالمية، وله دور بارز في مسؤوليات التنمية من خلال زياراته ولقاءاته العديدة في المؤتمرات الإقليمية والدولية بصفته الرسمية أو نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله، ونستطيع القول بدون تحفظ إن أهم خصائص الملك عبدالله المتصلة بزعامته هي الحضور والشجاعة وتقديم الحلول والمبادرات النموذجية لحل المشكلات سواء في الإطار العربي أو الإسلامي، فهو بحق رجل المرحلة في بلادنا وحامل راية الإصلاح، نصير الحوار الهادئ وهو صاحب أكثر المبادرات العربية والعالمية فيما نعلم، ولعل من أهم التوفيقات التي صحبته منذ أول يوم تولى فيه قيادة المملكة هو اختياره لأخيه الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولياً للعهد الرجل الضليع في شؤون الحكم منذ نعومة أظفاره فكان اختياره متوافقاً ومتناغماً مع مشاعر المواطنين الذين يكنون له بالغ المحبة والتقدير وفقهم الله وسدد خطاهم إلى كل خير. الملك عبدالله عندما كان ولياً للعهد خلال جولة تفقدية لمنشآت بترولية ومائية «من أرشيف عبدالرحمن الرويشد» ٭ في المرحلة التي سبقت تعيين الملك عبدالله في مناصب رسمية ما هو الدور الذي كان يؤديه وكذلك إخوته الأمراء؟ - آل سعود سلسون في الحكم وليس لديهم أنانية ولا يمكن القول أنه إذا تولى أحدهم الحكم يصبح الآخرون معطلين.. قد تقول أن الملك عبدالله لم يتول المسؤولية الرسمية إلا في عام 1382ه هذا لا يعني أنه كان معطلاً حتى في حياة والده كان من ضمن المهام التي توكل إليه في ذلك الوقت القيام برحلات إلى دول العالم والناس مقطوعون في هذا البلد وليس هنا أجهزة اتصالات أو معلومات فكان الملك عبدالعزيز من قدرته العظيمة القيادية يبعث بأبنائه إلى أوروبا وإلى البلاد العربية يذهبون إلى هناك للمقابلة والاختلاط بالزعماء والقياديين والاستماع إليهم وتبادل الأفكار معهم فهم رُسل والدهم وفي مهمات لكن ليس لها مسميات رسمية، فالملك عبدالعزيز لم يعيّن في حياته سوى أولاده الكبار ابنه الملك سعود رحمه الله ولي عهده، ونائبه في الحجاز الملك فيصل رحمه الله هؤلاء من يعملون مساعدين للملك أما البقية فهم أعوان لهم دور لكن هذا الدور ضمن مسؤوليات الملك عبدالعزيز الشخصية.. قل أو ندر تكليف أحد بمناسب سوى تكليف الأمير ناصر رحمه الله والأمير سلطان بإمارة الرياض لأن الرياض فيها بادية وحاضرة لكن أغلب أبناؤه ومنهم الملك فهد رحمه الله الذي كان من مسؤولياته حل المشاكل بين القبائل والأسر والعوائل هذه مهمات ولكن ليس له مكتب في ذلك الوقت، فآل سعود حكمهم تضامني وجميعهم يعملون تحت قيادة رجل واحد وبنفس واحد ولهذا الحكم عندما انتقل إلى الملك عبدالله انتقل انتقالاً سلساً ودون أن تكون هناك عوائق، «مات الملك.. عاش الملك» .. وهكذا انتقل الحكم من الملك خالد إلى الملك فهد وبنفس الأسلوب بدون رتوش وبدون خلاف وبدون نزاع وبدون تأجيل في يومه والولاية تنتقل بسهولة ليست موجودة في البلدان الأخرى فحتى البلدان التي تدعي ديمقراطية إذا مات رئيس الوزراء بقوا مدة للبحث عن البديل عكس السلاسة الموجودة بالمملكة لأن هنا ثوابت دائمة. ٭ كيف ترى الإصلاح في عهد الملك عبدالله.. وهل كان موجوداً في السابق؟ - موضوع الإصلاح ليس جديداً نفس حكم آل سعود يعد إصلاحاً بذاته فعندما حكموا هذه البلاد كان ذلك عملية إصلاح من عقائد الناس أولاً.. كانت في نجد تتفشى عقائد ماهو متفش في البلدان الإسلامية الأخرى من أوثان وبناء على القبور وعقائد شبهية وخرافات وبدع .. وموضوع الإصلاح في عهد الملك عبدالله منطلق من معتقداته وحبه ورغبته وتمسكه بعقيدته فالإصلاح عنده أمر ضروري للتطوير والحياة وكذلك الحوار الهادف حيث يكره العنف ويكره الإكراه، ولكن يرى في الحوار الهادئ أن يحقق ما تصبو إليه الأمة ويصبو إليه الناس وقد تميز في هذا وأثمرت رسالته الإصلاحية وهي من أوائل الخير القادم بمشيئة الله.. وختاماً أود أن أكرر أن الإصلاح بدأ منذ بداية حكم آل سعود في هذه البلاد واستمرت مسيرة الإصلاح طوال المرحلة الماضية فهم مصلحون ومجددون وهذا يلمسه الجميع منذ تولي الملك عبدالعزيز مقاليد الحكم وحتى يومنا هذا. صورة ضوئية لقصاصة من جريدة البلاد التي نشرت كلمة أهالي الرياض خلال مبايعتهم للملك سعود رحمه الله والتي ألقاها عبدالرحمن الرويشد ٭ عفا الملك عبدالله عن المتربصين به وكان له دور كبير في دعم الاقتصاد السعودي بآرائه وقراراته وشهد له الجميع بانسانيته فهل حدثتنا عن تلك المواقف والخصال؟ - إنه لمما يثلج الصدر ويفرح النفس أن يستهل هذا الرجل العظيم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عهده بما يليق به وينسجم مع خصال الفروسية، وهو العفو مع القوة والصفح الجميل الذي يزرع في النفوس قوة الأمل والتسامح ويمنح المتردد والمذنب الفرصة للعودة إلى الصف، حيث عفا عن المتورطين في مؤامرة قذرة استهدفت حياته الشخصية عندما كان ولياً للعهد، وما ذلك إلا تجسيد حقيقي لمعاني التسامح عند المقدرة، ونموذج للقيم والأخلاق التي يبشر بها عهده الميمون إن شاء الله، يقدمها مثالاِ حسناً وسلوكاً حضارياً أحسن توقيته - حفظه الله - وأراد منها أن تكون البداية لعهده الجديد أرادها أنموذجاً لشعبه وأمته ليتمكنوا من العيش دون بغضاء أو أحقاد وأن يتماسكوا لتتجه أهدافهم نحو الأهداف الوطنية العليا بدلاً من الانخراط في القضايا الجدلية التي تفرق ولا تجمع. وما من شك في أن هذا هدف كبير لقائد عظيم يعي جيداً نبض أمته وآمالها وطموحها .. فهو قائد لا يستطيع أحد أن يزايد على إخلاصه وتفانيه في خدمة أمته وبلاده وقضايا اخوته في العروبة والإسلام. وما عمله هذا إلا امتداد لقيادة سعودية قدمت أعظم التضحيات دفاعاً عن الحقوق والمصالح العربية، وقادت أهم المبادرات في التاريخ العربي المعاصر من أجل احتواء الخلافات وتوحيد الصف وأسهمت بما تستطيع في دعم الصمود العربي في أوقات الشدائد والمحن. ولهذا قال صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام «إن في ذهن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز من مشاريع الخير والنماء للوطن والمواطنين ما يفرح المرء ويريح خاطره، وذلك في حديث أجرته معه صحيفة «السياسة الكويتية»، ولقد عرف خادم الحرمين الشريفين ومنذ توليه المسؤوليات الكبيرة في هذه المملكة اهتمامه بمجال الاقتصاد السعودي فقد أراده اقتصاداً نشطاً. ولذلك فعندما كان رئيساً للمجلس الاقتصادي إبان حرب تحرير الكويت وبلغه أن هناك تحويلات بالبلايين توجهت إلى خارج البلاد اعترض أن يمنع أحد من تحويل أمواله فتبين أن ذلك هو عين الحكمة ولو تم غير ذلك ومنعت التحويلات لفقد الاقتصاد السعودي الكثير من الثقة به، وعادت الأموال الهاربة ومعها مثلها مما يدل على حنكته حفظه الله وجعله الاقتصاد السعودي يعيش هذه الحيوية المنقطعة النظير، فها هو الاقتصاد السعودي رغم كل المحن يحوز ظاهرة الازدهار بحول الله. ولقد ابتهجت الأمة كثيراً بالمكرمات المتوالية التي استهل بها خادم الحرمين الشريفين عهده فجعلها سلسلة من المكرمات والمبادرات السخية التي عم بها كل فرد والتي أخذت أبعادها تغطي آفاقاً تنموية وإنسانية تتجاوز المتطلبات إلى الأحلام وهي نقلة نوعية في مستوى معيشة المواطن ودفعة قوية في طريق الرخاء والازدهار إن شاء الله. وكان همه منذ أن كان ولياً للعهد أن يكون دائماً للفقراء والمحتاجين النصيب الأوفر من نفقات الدولة لا سيما بعد الزيارة التفقدية التي قام بها القائد عندما كان ولياً للعهد، وتجول في أماكن عديدة من العاصمة ووقف على احتياج الفقراء وأمر على الفور أن تكون أول استراتيجية وطنية هي مكافحة الفقر، ودفع من ماله الخاص مبالغ لإقامة مشروعات تساعد الفقراء فكان ذلك الجهد الإنساني والعمل الخيري أنموذجاً يحتذى وظهر ذلك واضحاً في فوز الشريحة الأقل دخلاً بحصص لا بأس بها من فائض إيرادات العام الحالي وما قبله، ولعل هذا هو سر ميل خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز إلى البساطة في العيش .. فالمثل الأعلى عنده هو أن يعيش الإنسان بسيطاً، لا يعرف الكبر، وهكذا كان.. فقد كان لا يعرف التعالي إلى قلبه طريقاً، طاهر النفس متسام مع مكارم الأخلاق، يتعامل مع الناس جميعاً برحابة صدر، ينصت لمقابله بكل هدوء، ويوحي له بالاطمئنان، يحب احقاق الحق ودحر الباطل، وهي خصائص ذاتية أهلت هذا القائد لكي يتحمل الدور الكبير الذي يقوم به الآن. وبأخلاقه الملكية تلك عرف باهتمامه البالغ بشؤون اخوته العرب والمسلمين وتجسد ذلك في حرصه على جمع كلمتهم ووحدة الهدف والمصير، ذلك بأنه يؤمن بأن الإسلام والعروبة المرتبطة بالإسلام هما الرابطان القويان والدعامتان الموحدتان لآمال العرب والمسلمين. ومن أجل تفكيره هذا حاول ما أمكنه - حفظه الله - أن يقوم بالكثير من المحاولات لاحتواء الخلافات وتقريب وجهات النظر، فزار معظم الدول العربية، وهكذا فعل مع البلاد الإسلامية، كما قام بالعديد من الزيارات إلى الدول الصديقة في العالم كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا واسبانيا وايطاليا والكثير من الدول الآسيوية والافريقية، وعمل ما في استطاعته على تحسين علاقات بلاده مع تلك الدول. فهو بحق رجل دولة ورجل مواقف في السياسة وفي التوجهات الرائدة.. وذلك ليس غريباً على مثله فلقد رافق منذ أن عرف الدنيا تطورات الأحداث التي مرت بها بلاده وتفاعل بفاعلية مع محيطها الإسلامي والعربي. عاصر والده واخوته الكبار وأسهم في تحمل المسؤولية معهم منذ الصغر في قضايا الحكم والسياسة. حفظه الله وأمد في عمره وحقق على يديه كل خير لهذا الوطن وأهله.