لا أعتقد أنَّ عقداً من السنين بلغ فيه مستوى «السماجة» والرداءة مثلما بلغ في سنواتنا الأخيرة، كانت السماجة قد بدأت تتصاعد بعد وسائل التواصل الاجتماعي حتى قفز بها موقع «كيك» مؤخراً إلى ما فوق خط الحد الأعلى. وصلت إلى درجة مقلقة أصبحت معها الشهرة لا تتطلب إلا مطَّ الشفايف وتحريك الحواجب، ويجد بعدها مقطع الفيديو القبول لدى المتابعين والمعجبين ويشتهر صاحبه، أو يقوم صاحب المقطع – ذكراً كان أم أنثى – بالتمايع أو ما يسمى حالياً «التميلح» في مقطع ذي نصف دقيقة فيلقى الإعجاب الرهيب الغريب. مَن المسؤول عن انحدار الذائقة الجمعية إلى هذا الحد من الحضيض؟ وما هو تفسير ظاهرة انتشار المقاطع ذات التسطيح العقلي واحتفاء الشباب بها؟ إنّ التعليم هو أكبر متَّهَمٍ في هذا الخلل الثقافي، فلو كان التعليم جيِّداً مدركاً جسامة وعظم مهمته لوجدنا في المجتمع إعلاء الفن والأدب الجيد بدلَ تصعيد الغثاء ليكون قدوةً، وينتشر حتى يصبح هو الأساس، ويصبح غيره منبوذاً. قلَّمَا تجد مدرسة تُعلي شأن الثقافة والمسرح والفن والأدب وتغرسه في نفوس طلابها، أو تذهب بطلابها إلى معارض تشكيلية، هذا إذا كانت هناك معارض ومتاحف تشكيلية دائمة. هذا الخلل سيصنع فجوة بين الذائقة الجمعية ضحية التعليم المتردي، والذائقة النخبوية التي بنت ثقافتها بنفسها، وإذا لم تُقرَّب الأولى من الثانية، سنصبح في مجتمعٍ يعاني من الانفصام الثقافي.