كنت مترددا جداً في الإقدام على أمر الزواج، و من أسباب ذلك ما يحمله الزواج من مسؤولية كبيرة و تغيير لنمط الحياة الذي اعتدت عليه لسنوات، بحيث أصبح مسؤولاً عن زوجة و أطفال في المستقبل. اليوم و بعد سبع سنوات من الزواج، و بعد أن رزقني الله بطفلة و طفل، أعرف جيداً و من خلال التجربة الشخصية، أن ترددي كان منطقياً جداً. فتربية الأطفال مسؤولية ضخمة، لا يمكن لك أن تنجح فيها دائماً، بل يجب فقط أن تحاول دائماً أن تفعل أفضل ما تستطيع. خلال هذه الرحلة التي أشعر أحياناً أنها فعلاً طويلة كانت زوجتي “بشرى” بجانبي دائماً، و أحياناً أمامي رعايةً و إهتماماً و حباً لأطفالنا. خلال الشهرين الماضيين و بعد أن التحق كلا طفلينا بالمدارس أجد أن الحمل قد ازداد بصورة كبيرة و سريعة. ف “جوري” التي التحقت بالصف الأول الإبتدائي تُمضي حوالي سبع ساعات يومياً في المدرسة، لتعود محملة بهموم و كلام كثير، إضافة إلى واجبات تبدو أحياناً أنها لا تنتهي. و “يوسف” الذي التحق بمرحلة ما قبل التمهيدي مطالب أيضاً بواجبات مدرسية تتمثل في كتابة الحروف والأرقام الإنجليزية. تواجه زوجتي كل هذا الطوفان من الواجبات و المتابعة و الطلبات بكل حرص و اهتمام. تحاول أن تُنهي مع الأطفال ما تستطيع و يجئ دوري حينما يكون لا بديل أخر عن ذلك. هذه الطفرة في مسؤوليات زوجتي لا تعني أن مسؤولياتها الأخرى تجاه نفسها و تجاهي و تجاه أطفالنا قد قلت أو نقصت، بل هي كما كانت و ستظل و ربما تزيد. من خلال التغيرات الاجتماعية الضخمة التي عاشها المجتمع السعودي عبر السنوات الماضية يبدو لي شخصياً أن هناك شئ من الانتقاص لدى بعض السعوديين و السعوديات لأهمية دور الأم في بيتها، بحيث أصبحت السيدة المتعلمة التي تقضي حياتها في تربية أبنائها تمثل صورة سيدة تقليدية و غير عصرية و تتهم بأنها إنسانة غير منتجة و مُستضعفة و مُستغلة و يُتهم أيضاً زوجها بأنه تقليدي و غير متفتح. أجد في هذا النوع من النظرة القصور الكبير في إدراك أهمية دور الأم في تربية أبنائها ومقدار الجهد الضخم الذي يُصرف في رعاية الأبناء و الاهتمام بهم، في نفس الوقت مثل هذه النظرة السلبية للمرأة المتعلمة العاملة في بيتها و مع أبنائها محاولة لتطبيق نموذج شخصي على باقي المجتمع دون مراعاة لما يفضله الآخرون و لأولوياتهم التي قد تختلف عن أولوياتنا. زوجتي تحمل الشهادة الجامعية في رياض الأطفال، لكنني شخصياً أرى أن دورها مع طفلينا يساوي دور أستاذة جامعية لمئات الأشخاص. للأمانة قد تتفق معي زوجتي في هذه النظرة و قد تختلف، و لكنني أجد أن واجبي و حقها علي ِّ أن أشكرها على جهدها و تعبها و حبها و كل لحظة تقضيها مع أطفالنا و ستقضيها في المستقبل. قدمت زوجتي حتى الأن كل ما تستطيع، مع أنني أعرف جيداً أنها تشعر بشئ من التقصير تجاه طفلينا كما أشعر بذلك شخصياً. لكن لا لوم بعد أن تبذل جهدك قدر طاقتك.