يطاردني لحدِّ الإنهاك فالشعور بالأسى تساؤلٌ: لماذا لا ننظر بمشكلاتنا إلاَّ بعد تفاقمها وتوسُّعها لتصبح أزماتٍ؟!؛ ممَّا يصعِّب حلولها، بل ويجعلها شبهَ مستحيلة، أو أنَّها تترك آثاراً سلبيَّة لا يسهل تجاوزها ولا يمكن محوها، أو أنَّها تنفتح على جوانب أخرى فتتشعَّب منتجةً مشكلات أعتى، تساؤلٌ لم أجد إجابته بعد، بل وبمرور الزمن أحسُّ بأنَّ إجابته أكثر ابتعاداً وأصعب منالاً، تساؤلٌ يتَّسع فتضيق عليه مقالة واحدة بالرَّغم من أنَّ صحيفة «الشرق» أتاحت لي أكبر مساحةٍ لمقالات الرأي فيها؛ لذلك سأوجِّه تساؤلي هذا لمستثيريه بعدَّة مقالات وإن لم تتسلسلْ نشراً. سأوجِّه تساؤلي أعلاه ابتداءً لوزارة التربية والتعليم، فالوزارة التي عملتُ فيها 38 سنةً ولكنِّي لم أجد إجابة لتساؤلي خلالها، فمسؤوليَّتها تتحدَّد بتربية النشء وإعدادهم للحياة، مسؤوليَّة يعلمُها الجميع ولكن…، كيف ستنهض هذه الوزارة بمسؤوليَّتها؟! وأخبارها تصدمنا كلَّ يوم مؤكِّدةً أنَّ هناك خللاً يحول دون ذلك، فهل ستنهض بدورها التربويِّ والفسادُ الإداريُّ والماليُّ والتأهيليُّ ينخر بها وبإداراتها التعليميَّة؟!، بل والمتسرِّب من أخبار دفاعاتها عن فاسديها والتغطية عليهم يزيدنا يأساً من قدرتها على نهوضها بمسؤوليَّتها الوطنيَّة. نقلت صحيفةُ الشرق في عددها 457 عن وزارة التربية والتعليم أخبار فساد قياداتها في إدارة تعليم منطقة حائل، فساد أدَّى بهيئة الرقابة والتحقيق أن تُصدرَ قرارَها بكفِّ أيدي قياداتها التسع عن العمل، إلاَّ أنَّ الوزارة تعاطفت مع فاسديها طالبةً تأجيل ذلك بحجَّة حساسيَّة توقيته؛ إذْ قارب آنذاك الفصلُ الدراسيُّ الأول على الانتهاء؛ ممَّا سيجعله -بحسب دفاعات الوزارة- قراراً مربكاً لسير العمليَّة التعليميَّة والتربويَّة في منطقة حائل، وطالبت هيئةُ الرقابة والتحقيق مع بداية الفصل الدراسيِّ الثاني بتنفيذ قرارها بكفِّ أيدي أولئك التسعة عن العمل، وأصرَّت على ذلك بعد ارتكاب بعضهم لمخالفات جديدة للنظام، لتطلبَ الوزارةُ مجدَّداً التَّريث في التنفيذ بالرغم من أنَّ التحقيقات قد انتهت وثبت ارتكاب المتَّهمين لما وجِّه إليهم من اتِّهامات، فسفر مدير الشؤون التعليميَّة بمهمَّة خارجيَّة لإسبانيا بعد قرار إنهاء تكليفه وبعد كفِّ يده عن العمل، وإصداره قراراً بتكليف مدير الإشراف التربويِّ بالقيام بعمله أثناء سفره، وكذلك إصدار مدير عام التعليم قرارات بأثرٍ رجعيٍّ متجاوزاً صلاحيَّاته بالنقل بين القطاعات التعليميَّة، مخالفات مستجدَّة، أولئك لم يخالفوا النظام من بعد أن ثبتت عليهم الاتِّهاماتُ إلاَّ لأنَّهم وجدوا من الوزارة سنداً يجعلهم يستهترون بمبادئ التربية وبقيمها غير متخوِّفين من الأنظمة الوزاريَّة والعامَّة، فكيف نتأمَّل تربية وتعليماً سويّاً في ضوء أهدافها الوطنيَّة لأبناء منطقة حائل وبناتها في ظلِّ إدارة يعرفونها بهذا الخلل ويعرفها منسوبوها والمجتمع بافتقاد قياداتها الأمانةَ والنزاهةَ، فيا ليت شعري ما الذي يدفع وزارة التربية والتعليم لإبقائهم والدفاع عنهم بالتأجيل وبالتريُّث بتنفيذ كفِّ أيديهم عن العمل وقد ثبت إخلالُهم بالأمانة التربويَّة وبالنزاهة العمليَّة؟!، أَوَرَاءَ ذلك خوفُ انكشاف أدوار قياداتٍ وزاريَّة بفسادهم؟!!. ونقلت أيضاً صحيفة الشرق في عددها 455 عن وزارة التربية والتعليم أخباراً بوجود 32 قياديّاً فيها بشهادات دكتوراة وهميَّة، ثمانية منهم في جهاز الوزارة، أحدهم بوظيفة خبيرٍ بتطوير المناهج الدراسيَّة، وبقيَّتُهم بإدارات التعليم يتولَّون مناصب قياديَّة فيها، وكلُّ ما في الأمر أنَّ الوزارة أصدرت قراراً بمنعهم فقط من استخدام ألقابهم العلميَّة الوهميَّة بالمخاطبات الرسميَّة، علماً أنَّ معظمهم وصلوا لمناصبهم القياديَّة بشهاداتهم الوهميَّة، وذلك يعدُّ تزويراً، وأنَّ قدرات معظمهم دون أدوارهم القياديَّة، مفتقدين الأمانة والنزاهة، في حين الأمر يتطلَّب إقصاءَهم عن مناصب وصلوا إليها بتزوير شهاداتهم، وبانكشافهم بأمانتهم ونزاهتهم وهي المبادئ والقيم المطلوبة في منسوبي التربية والتعليم، فظاهرة الشهادات الوهميَّة ليست مستجدَّةً على الوزارة وإداراتها التعليميَّة، فقبل سنواتٍ ثلاث كشفت الوزارة عن 64 دكتوراً وهميّاً، فأصدرت قراراً آنذاك بمنعهم من استخدام ألقاب علميَّة لا يستحقُّونها، فهل ال 32 دكتوراً وهمياً الصادر بهم قرار الوزارة الأخير مستجدُّون، وبالتالي لم تستطع الوزارة منع منسوبيها من استمراريَّة التزوير، أم أنَّهم بقايا الأمس فلم تستطع الوزارة التخلُّص منهم فما زالوا في قياداتها وقيادات إدارات التعليم بالرغم من انكشافهم للوزارة وللمجتمع، فيا ليت شعري ما الذي يدفع وزارة التربية والتعليم لإبقاء أولئك في أدوارهم القياديَّة بعد ثبات تزويرهم شهاداتهم، فهل القرار بالتخلُّص منهم بأيدي بعضهم؟!، فإن لم يكن ذلك كذلك، فلماذا يُبْقَون في الوزارة بشهاداتهم الوهميَّة؟!!، فلْيبعدوا ولْتستردَّ أموالٌ أخذوها بترقيات وبتكليفات وبانتدابات، وليشهَّر بهم ليعتبر غيرهم فتنتهي ظاهرةٌ أفسدت تعليمنا وحالت دون تطويره، فأولئك ما وصلوا لمناصبهم القياديَّة إلاَّ على حساب مؤهَّلين تأهيلاً علميّاً حقيقيّاً من منسوبي الوزارة، بل ويمارس أولئك المزوِّرون إقصاءً وتهميشاً لأولئك المؤهَّلين لأنَّهم سيكشفونهم بتدنِّي قدراتهم ومهاراتهم العلميَّة والعمليَّة، فإلامَ يا وزارة التربية والتعليم يهمَّش المؤهَّلون ويقصون عن أدوارهم في التربية والتعليم؟!!. ولذلك لا غرابة أن تتدنَّى مخرجاتُ التربية والتعليم، وأن يتعثَّر تطوير التربية والتعليم، وأن تنتشر ظاهرة الدرباويَّة بما فيها من انتهاكات أخلاقيَّة وجرائم وعنفٍ مدرسيٍّ وأن تتدنَّى هيبةُ المعلِّم، وأن تنتشر ظاهرة البويات وظاهرة الإيمو في ثانويَّات البنات، وأن تتوسَّع تلك الظاهرات في جامعاتنا فهي امتداد لها من التعليم العام، فيا ليت شعري إلام تقف وزارةُ التربية والتعليم حيال هذه الظاهرات السلوكيَّة مواقف المتفرِّج؟!، أَحْسَبُ وجود قيادات تعليميَّة فاسدة، وقيادات بشهاداتٍ وهميَّة منشغلين بمصالحهم عن مخرجات التربية والتعليم إعداداً وسلوكاً، بل إنَّهم غير قادرين على شيء حيال ذلك، أحسبه السبب، هذا ما تناقلته الأخبار وانكشف للمجتمع، والخافي في إدارات تعليميَّة أخرى أعظم منه، فلْتتحرَّ الوزارةُ في إداراتها التعليميَّة لتعرف الخافي عليها من منسوبي تلك الإدارات ومجتمعاتها، فالوطن بحاجة لأبنائه وبناته لبنائه، وفيه كفاءات مؤهَّلة قادرة حين تُعطَى أدوارَها أن تحقِّق أهدافه التعليميَّة والتربويَّة، فلْتلتفت وزارة التربية والتعليم إليهم.