خلال مشاركتي في مؤتمر «إدارة التنوع في الدول العربية» الذي نظمته المبادرة العربية للإصلاح مؤخَّراً في المغرب، أُتيحت لي فرصة اللقاء مع مجموعة من الفعاليات السياسية والحقوقية المغربية للتعرف على أبرز التطورات القائمة هناك، وتبادل وجهات النظر معهم حول تأثير الربيع العربي على مناطقنا. عديد من الدول العربية تعاملت مع هذه التطورات بصورة سلبية محاولةً الحفاظ على الوضع القائم دون إجراء أي تغيير فيه، وبالتالي فإنها قد تعرِّض أوضاعَها لأخطار مستقبلية تؤثر في استقرار أنظمتها، أو لمزيد من المطالبات الشعبية والضغوط الخارجية. شدتني كثيراً الخطوات الاستباقية التي اتخذتها القيادة المغربية بعد تفاعلات الربيع العربي في المنطقة، التي منها التعديلات الدستورية، وإشراك مختلف القوى السياسية في الحكم، والاعتراف بالجماعات العِرقيَّة وحقوقها، وغير ذلك كثير. بالطبع فإنَّ للملكة المغربية تجربتَها الخاصة في العمل السياسي منذ زمن ليس بقصير، وبذلك فقد تختلف عن بعض الدول العربية، وخاصة في وجود الاتحادات النقابية والأحزاب السياسية المتمرِّسَة. وأبرزت التعديلات الدستورية في المغرب التي أُجريت عام 2011م موقعيَّة حقوق الإنسان في المنظومة القانونية بصورة واضحة، ومن بينها التأكيد على المساواة بين الجنسين، وضمان المحاكمات العادلة وحرية التعبير، وتجريم التعذيب والاعتقال التعسفي. كما تؤكِّدُ على ترسيخ استقلال السلطة القضائية، وتمكين الشباب، وتعزيز روح المواطنة، وحرية قيام الأحزاب والتنظيمات المحميَّة بالقانون، وحرية الاجتماع والتظاهر السلمي. أخذت الإصلاحات الدستورية أبعاداً هيكليَّة في تحديد موقعية السلطة التي حددتها بأن تكون ملكيَّة دستوريَّة ديمقراطية برلمانية اجتماعية، مؤكِّدةً على سيادة الأمة التي تمارس من خلال الاستفتاءات العامة، وتكريس مبادئ التداول السلمي للسلطة. على صعيد إشراك القوى السياسية المختلفة، فقد أُتيح المجال لمشاركة مختلف الفعاليات، وعلى رأسها المعارضة التي تمكَّنت من الفوز في الانتخابات التشريعية واستلام إدارة الحكم خلال هذه الفترة بمشاركة القوى ذات الاتجاهات الإسلامية والعلمانية أيضاً. فالدستور ضَمَن للمعارضة البرلمانية حقوقاً تؤكِّدُ إمكانية استلامها للسلطة وتداولَها. لعلَّ المهم أيضاً في هذه الخطوات هو إقرار الحق في التنوع، والعمل على دمج مختلف الكيانات العِرقيَّة والقوميَّة ضمن إطار الدولة الوطنية، عبر الاعتراف رسميًّا بتراث وثقافة ولغة وتاريخ هذه الكيانات وحقها في إبراز ثقافتها وهويتها. فقد تم اعتماد اللغة الأمازيغية كلغة رسمية في البلاد إلى جانب اللغة العربية – وهو تطوُّر ليس بقليل – ويفتح البابُ أمامَ تشكل الهوية الوطنية المغربية بمختلف مكوِّناتِها. زرت المتحف الأمازيغي في مراكش، وهو يعبِّر عن حضارة ممتدَّة وتراث عريق، والأهم في ذلك هو شعور القائمين عليه بأنهم يعبِّرونَ عن هويتهم الذاتية ضمن الدائرة الوطنية العامة. إنَّ تجربة الإصلاحات في المغرب بحاجة إلى أن يُستفَاد منها في آلية الاستجابة لمطالب الإصلاح في منطقتنا، عبر بناء دولة المؤسسات والقانون بدلاً من الاقتصار على الآليات التقليدية التي تتلخص في استخدام القمع أو الحلول المالية، والتي أثبتت فشلَها وقِصَر مداها.