تحدث العاهل المغربي الملك محمد السادس للمرة الأولى (9/3/2011) عن التعدد الثقافي واللغوي في المغرب ووضع الامازيغية في صلبه، أي أن الخطاب الملكي ربما أراد أن يحرر المستقبل السياسي والثقافي المغربي من ماضٍ استحوذ فيه الفكر الأحادي المطلق ثقافياً ودينياً وسياسياً على كل شيء وأصبح التعدد نشازاً ومروقاً. الخطاب الملكي نفض لغبار التاريخ ونبش في ذاكرة حية مجهولة ومنسية وموشومة بلغة المرحوم الخطيبي وربما يكون الاعتراف الملكي للتعدد الثقافي واللغوي بالمغرب ايذانا بسقوط صقور الاستئصال وتصحيح لوضعية خاطئة، فعندما كان مثلا الروائي حسن أوريد ناطقا رسميا باسم القصر الملكي اعتبره المغاربة والامازيغ على وجه الخصوص تكريما واعترافا واحتفاء بمثقف امازيغي يجسد بشكل من الأشكال الوعي العصري الامازيغي في محيط القصر الملكي، لكن استبعاده من مربع الحكم وما تلا ذلك من تطورات ومنها اعتقال النشطاء الأمازيغ أمثال المناضل شكيب الخياري كان إيذاناً بتحكم الجناح الاستئصالي العشائري بدواليب القرار السياسي بالمغرب، وكان هذا التحليل البسيط هو حديث العامة من أبناء الشعب المغربي ولم يتحول قيد أنملة إلا بعد خطاب 9 آذار (مارس) 2011 حيث اعتبره كثيرون إيذاناً بصفحة جديدة، رغم ان التخوفات والتوجسات لا تزال قائمة من وجود مثبطات وقوى استئصاليه قد تعرقل المسعى الملكي الحميد لاعتراف حقيقي باللغة والثقافة الامازيغيتين، فبعض الأصوات بدأ يحذر من مغبة الاعتراف الدستوري باللغة الامازيغية كلغة رسمية وهذه الأصوات بطبيعة الحال تدافع عن مصالح سياسية قائمة تستفيد من أحادية اللغة والثقافة والعائلة وغيرها من الاعتبارات، لذلك السؤال عن تحرير المستقبل من الماضي يتطلب خطوات وإرادة سياسية واضحة تقوم على توزيع عادل للسلطة والثروة بين كل مكونات الشعب المغربي. إن تحرير المستقبل من الماضي الرجعي الاقصائي يتطلب قرارات سياسية استعجالية من الدولة ومؤسساتها ومن قبل المجتمع المدني وتنظيماته وأهمها: - الإقرار بدور المقاومة الأمازيغية في استقلال المغرب وتعويض أبناء المقاومين الحقيقيين عما قاساه آباؤهم من جراء الاضطهاد الاستعماري وحل المندوبية السامية للمقاومين لان اغلب منتسبيها لم يقاوموا أحداً. - الاعتراف باللغة الامازيغية كلغة رسمية في الدستور المغربي المقبل. - حل الحكومة والبرلمان وإعادة التقطيع الانتخابي وانتخاب حكومة تمثيلية حقيقية مكونة من جميع الثقافات والهويات والمرجعيات بالمغرب مع الأخذ في الاعتبار التوزيع الجغرافي وإدماج مقاربة النوع الاجتماعي والشيء نفسه بالنسبة الى البرلمان الذي يجب أن يضم كل شرائح المجتمع من كل الثقافات والهويات والجغرافيات بشكل حقيقي بعيداً عن سلطة المال والتوجيه. - اختيار مستشاري الملك من جميع الثقافات والمناطق الجغرافية المغربية ليتسنى للملك التعرف حقيقة على كل ما يعتمل داخل المجتمع المغربي والقطع مع الاحتكار العشائري لدور المستشارية. - إعطاء الحق لكل الثقافات والهويات في المغرب بحقها في التعبير السياسي عن نفسها، ومنها الاعتراف بحق الحزب الديموقراطي الامازيغي والحزب الفيديرالي الامازيغي وغيرهما بحرية المشاركة السياسية في تسيير أمور البلاد. - تمثيل جميع المناطق الجغرافية وجميع الثقافات في المجالس الاستشارية المعينة والقطع مع الاحتكار العشائري والعائلي والزبونية في الاختيار وتوطيد ديمقراطية حقيقية في توزيع السلطة والثروة. هذه بعض المقترحات الكفيلة ببدء حوار وطني في المغرب شعاره توزيع عادل للثروة والسلطة بين جميع مكونات الشعب المغربي والتحول من دولة الرعايا والزبناء الى دولة المؤسسات المنتخبة والمسؤولة وإعطاء الأمازيغ حقهم المشروع في بلادهم بعيداً عن الاستئثار العشائري والعائلي بمقدرات المغرب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والمدخل الضروري لذلك هو إصلاح دستوري شامل وإعادة تشكيل خريطة سياسية مغربية قائمة على التمثيل المناطقي واللغوي في التعيينات الحكومية والديبلوماسية والإدارية فالمغرب قوي بتعدده وغناه وليس بفقر البعض المحظوظ وفقر الباقيات الصالحات من شعبه. ربما هذه هي مطالب الحركة الثقافية الامازيغية التي ستعبر عنها التظاهرات المقبلة وربما هي الأرضية الأولى لبدء نقاش وطني لا غالب فيه ولا مغلوب، فشكراً للملك محمد السادس على بدئه هذا النقاش.