لا أدري عن أي شيء تعتذر وزارة الصحة إلى الطفلة رهام الحكمي وأسرتها، بعد اكتشاف حقنها بالدم الملوث بالإيدز في مستشفى جازان العام؟! فالوزارة في الوقت الذي تعتذر فيه تقوم بنفسها بتشكيل لجنة من داخل الوزارة للتحقيق، ثم تنتهي الوزارة من التحقيق إلى إصدار بيانها يوم الأحد الماضي بإعفاء مسؤولين في المستشفى وبنك الدم في جازان! اعتذار الوزارة للضحية إقرار بجنايتها عليها، وقيامها بنفسها بالتحقيق وإيقاع العقوبة يعني أنها بلا أدنى ذنب فيما حدث. في الحالة الأولى لا يكفي الجاني أن يعتذر لمن جنى عليه، وفي الثانية لا حاجة للضحية إلى اعتذار الوزارة لأن الوزارة ليست فقط بلا ذنب، بل هي من يسعى لإنصاف الضحية والاقتصاص لها! حسناً! المنطق -في ضوء ذلك- يقتضي أن تعتذر رهام إلى الوزارة، فالوزارة لم تخطئ، لأن المخطئ لا يعاقب نفسه، والوزارة تعتذر عن جناية لم تقترفها، وفي الحالين سببت فاجعة رهام للوزارة قلقاً وانشغالاً بالاعتذار والتحقيق… إلخ. وعلى هذا يبدو اعتذار رهام للوزارة مطلباً، ورهام إن لم تعتذر فإن هذا يعني أنها -لا سمح الله- تتهم الوزارة بالضلوع في تلويث دمها، وهي كما هو اسمها وزارة الصحة لا وزارة المرض! لكن الدم الملوث بالإيدز تم أخذه وجمعه وفحصه وتخزينه ومراقبته ونقله ثم حقنه في رهام في منشآت تابعة لوزارة الصحة. هل تكون الوزارة في هذه الحالة بريئة من أخطاء منشآتها؟! كيف يسوغ للوزارة أن تبرئ نفسها بما اتخذته من عقوبات في حق موظفيها الصغار في جازان؟ وكيف يسوغ لها أن تدين نفسها في اعتذارها لرهام ثم لا تمسها العقوبة المناسبة؟! إن اكتشاف أخطاء الوزارة التي تتجاوز أولئك الموظفين الذين قامت الوزارة بفصلهم لا تستطيعه الوزارة ولا تصلح له ما دامت هي من يتولى التحقيق والحكم وتنفيذ العقوبة؟! في الفقرة الأخيرة من بيان وزارة الصحة الذي تضمن قرارات الفصل لعدد من الموظفين في جازان، يطالب البيان ب»إحالة المتبرِّع المصاب للجهات المختصة لاتخاذ الإجراءات اللازمة بحقه» وفي جريدة عكاظ أن مصادر كشفت للجريدة «أن المتبرع بالدم الملوث سعودي، وكان قد تبرع منذ عام بدمه في مختبرات مستشفى الملك فهد المركزي في جازان، وأُخِذ منه كيسان من الدم حينها وتم التخلص منهما بعد اكتشاف إصابته بفيروس الإيدز، ولم يتم التواصل معه بعد ذلك، أو يهتم أحد بأمره». أي جهات مختصة -إذن- هذه التي يحال عليها المتبرع؟ وما فحوى الإجراءات التي تتخذ بحقه؟! ألا نكتشف من ذلك دلالة الوزارة بنفسها على قصور أنظمتها في رعاية مرضى الإيدز ومراقبتهم؟! عن أي شيء تعتذرين يا وزارة الصحة لرهام؟! إن الذي عليه أن يعتذر -حقاً- إلى رهام هو هيئة مكافحة الفساد التي لم تستطع الاستدلال على قصور خدمات الصحة وعلى قدرة الوزارة على المتابعة الذاتية الدقيقة للممارسة الصحية إلا بهذه المصيبة، ومجلس الشورى الذي لا يقوى على المساءلة والرقابة، وأقلام الكتاب والصحافة إذ يصرخون دون صدى! رهام البريئة بعينيها المشعتين بالنور تصنع بوقوعها ضحية فجراً لتصحيح أوضاع الصحة الذي يجب أن يجاوز السطح إلى الجذور. والله المستعان.