يتأمل رواد أسواق قطاع غزة بعيون تحلم بالشراء، البضائع بكافة أصنافها وماركاتها المستوردة من تحت الأرض «أنفاق رفح» وفوقها «معابر عزة»، لكن جيوبهم الخاوية بفعل استمرار الحصار الإسرائيلي والأزمة المالية التي تعصف بموظفي «السلطة الفلسطينية» بسبب تأخر الرواتب، حولت هذا الحلم إلى ما يشبه المستحيل. فالأوضاع الاقتصادية التي يعيشها الغزيون حكمت على الحركة الشرائية ب»الإعدام»، استمراراً لسنوات سابقة، كما يري «أبو حازم صاحب معرض عكيلة للملابس المستوردة وسط شارع عمر المختار التجاري بغزة»، الذي يقف طوال اليوم يرحب ويوزع الابتسامات على المتسوقين لجذبهم إلى محله، وعندما يتسرب اليأس إليه يغير مكان عرضها يومياً وفقاً للمثل الشعبي»تغير الوجه رحمة». أبو حازم وزملاؤه من أصحاب المحلات التجارية ينتظرون بفارغ الصبر صرف رواتب موظفي «الدولة الفلسطينية» التي تُحدث حركة شرائية مؤقتة لكنها «أحسن من اللا شيء». ويضيف «رواتب موظفي الأونروا، وحكومة غزة، على الفاضى ما بنشوف منها حاجة، ولكن رواتب موظفي السلطة بتعمل حركة بيع بالسوق لأن أعدادهم كبيرة». أيام الشهر باتت عند أبو حازم تشبه بعضها، فهو يقضي يومه في الإجابة على المتسوقين الذين يسألون عن أسعار الملابس والمعروضات دون أن يشتروا. والشيء الوحيد الذي يستمر في النمو هو ازدياد حجم المعروضات في الأسواق عن حجم الطلب. على الجهة المقابلة، يقف البائع شاكر أبو حصيرة فوق تكتك «دراجة نارية» ينادي بصوت عالٍ وبطريقة مضحكة دفعت مجموعة من رواد السوق للالتفاف حوله لشراء الأحذية. قال أبو حصيرة ل «الشرق»: «الناس يقبلون على الشراء لأني أبيع بأسعار قليلة فالحذاء بعشرة شواكل (أقل من 3 دولارات) ومع ذلك الإقبال ضعيف مقارنة بسعر العرض. ولفت أبو حصيرة إلى أن أسعار البضائع المعروضة «شعبية» وتسمح لكافة الطبقات بالشراء منها. لكنه قال: «لقد تعودنا على ضعف الحركة الشرائية وأصبحنا متعايشين معها لأننا لا نمتلك بديلاً نحصل منه على رزق أطفالنا. متأملاً أن تشهد الأيام القليلة القادمة تحسناً في الحركة الشرائية. لا سيما وأن الحديث يدور عن صرف راتب شهر يناير الماضي. «كل البضائع المعروضة جميلة جداً، وأتمنى أن أشتري كل ما يحتاجه أطفالي» بهذه الكلمات عبرت» أم خليل ل «الشرق» عن رأيها في البضائع المعروضة بالسوق، لكنها اكتفت بشراء ما هو ضروري فقط من مستلزمات لأطفالها وبيتها، تفادياً لوقوعها في أزمة مالية تقلب موازين ترتيباتها الشهرية نتيجة تأخر حصولها على راتبها. «أم خليل» التي تعرف أن ما قامت بشرائه لا يكفى لإدخال الفرحة في قلوب أبنائها ولا الوفاء بما وعدتهم به، لكنها تعتبر نفسها أفضل من كثيرين من رواد السوق الذين يحضرون بآمال كبيرة ويعودون بخفي حنين. نساء يتأملن البضاعة متسوقون أمام أحد المحلات طفلة في السوق جانب من السوق شاكر أبو حصيرة فوق دراجته أبو حازم عكيلة أمام محله (الشرق)