هل تحولت التخفيضات من كذبة جماعية إلى مصيدة للنساء فقط؟ سؤال ينتشر في مختلف الأسواق السعودية وفي كل الجهات، إذ تتزايد شكاوى المستهلكين لمختلف السلع من عدم مصداقية أغلب هذه العروض، وتباينها ما بين حقيقي ولكنه ضعيف، وقوي ولكنه وهمي، إذ يقول مستهلكون ومستهلكات إنهم يفاجؤون بإعلانات عريضة ولافتة تروج لتخفيضات تتجاوز 70%، ولكن يصدمون فور دخولهم هذه المحال بأعذار متنوعة، إما بانتهاء فترة التخفيضات، أو عدم شمولها لمختلف البضائع، أو المبالغة في وضع الأسعار القديمة واستبدالها بأسعار جديدة قد تكون هي السعر الحالي للبضائع. تتركز أغلب التخفيضات في المستلزمات النسائية، من ملابس وعطور وماكياج وأحذية وشنط وغيرها، إذ تؤكد متسوقة سعودية، أنها تصدم حين تدخل إلى محال التخفيضات، التي تركز كثيرا على مستلزمات المرأة، فتجد هذه التخفيضات وهمية لا وجود لها، وتلتفت لصديقتها عفاف الملا التي كانت تسير إلى يمينها وهي تستفهم منها: «أليست هذه خدعة لترويج البضائع؟ إذ يخاف الباعة من كسادها فيخترعون للنساء كذبة التخفيضات». تجيبها عفاف ساخرة، بأن النساء هن من نسجن حولهن هذه الحكاية، بترسيخ فكرة استهدافهن: «إذ يتبضعن عادة بشراهة، إلى درجة أن بعض الأسواق تفتح أبوابها خصيصا للنساء فقط، وما تلك التخفيضات إلا دليل على أن الأسواق تستهدف استغفال المرأة، وتجيد بحرفية الكذب علينا بشكل عام وعلى الموظفة بشكل خاص، فهي تطلق كذبة التخفيضات وتسميها بأي اسم إعلاني، وبسذاجة تشرب المرأة المقلب بتلذذ». عقليات النساء رن جوال عفاف، باسم صديقتهما رجاء البشر، لتخبرها بأنهما في السوق إن أرادت الحضور. وعادت لتتحدث بأن جزءا كبيرا من راتبها يذهب لشراء الملابس وأدوات الماكياج، وكانت أكثر صراحة وهي تعترف: «عقليات بعض النساء تساهم في تنامي التلاعبات في الأسواق». أما غدير الحماد، فتقول إنها موظفة بأحد المصارف، وتستقطع من راتبها مبلغا ثابتا لزينتها؛ لأن عملها يتطلب منها أن تكون ذات منظر أنيق: «أرى أن التخفيضات فرصة يجب أن تغتنمها المرأة بشكل جيد، ولكن بعض النساء يعتقدن أن هذه التخفيضات (مجرد فهلوة)، ولكن حتى لو أحجمت النساء عن التسوق من محال التخفيضات، هل سيغير ذلك الأمر شيئا في عقلية التجار نحوها؟» بعضها حقيقية واتفقت نوال أسعد وسارة العنزي على أن التخفيضات لها دور كبير في جذب الزبائن، وأن هناك تخفيضات حقيقية في المحال الكبرى، وأشارت جود إلى أن: «التخفيضات الموجودة ببعض المحال التجارية تخص موديلات قديمة، وهي لعبة من ألعاب التجار لتمرير البضائع لعدم تكدسها، وأنا لا أهتم بالتخفيضات فالجودة أهم عندي من السعر». «تخليص» بضائع أما أم نواف فتحكي تجربتها مع التخفيضات: «كنت أهتم بشكل لا يصدق بشيء اسمه تخفيض، وأطارد التخفيضات من مركز إلى مركز، ولكن وجدت أن أغلب هذه التخفيضات مجرد تخليص لبضائع منتهية أو موديلات قديمة»، أما نورا «مقيمة فرنسية» فتعلق على الموضوع من زاويتها الخاصة: «النساء السعوديات يهمهن السعر أكثر من جودة السلعة، أما أنا فأفضل شراء قطعة غالية وجيدة أكثر من اهتمامي بشراء قطعة مخفضة ورخيصة وجودتها ضعيفة». إغراءات وهمية المتسوقة نادية أحمد، تقول إنها لم تعد تتعامل مع هذه العروض بجدية؛ لأنها من وجهة نظرها وهمية وغير حقيقية ولا تقدم أي شيء: «هي مجرد إغراءات وهمية لجر الزبائن لدخول تلك المحال، إذ تعمل أغلب المحال التجارية والمعارض والمولات -على حد قولها- على وضع لوحات وإعلانات تشير إلى تنزيلات كبيرة تفوق في معظم المحال 60 %، ولكن يفاجأ من يدخلها بأن الأسعار غير حقيقية والتخفيضات خادعة، بحيث يرفعون السعر القديم ليصبح السعر الجديد هو سعرها المناسب». خبرة كافية وقال متسوق رمز لنفسه ب «حسن» إن فرع وزارة التجارة والأمانة في تبوك يكثف جولاته على المحال لمراقبة الأسعار: «بعض التجار لديهم خبرة كافية في التلاعب بالأسعار وخداع المستهلك، وهذه المحال يفترض أن تشمل جميع البضائع بالتخفيضات». وقال متسوقون إن سبب تراجعهم في الإقبال على العروض في الآونة الأخيرة، ضعف ثقتهم بالمعروضات من حيث الجودة وتقليد بعض البضائع التي تباع على أنها أصلية، وكذلك كثرة المحال التجارية والأسواق التي تقدم العروض ما يشتت الإقبال عليها. وأكدوا أن الكثير من المحال والمعارض والمولات تعمل على إجراء التنزيلات والخصومات الكبيرة خلال الفترات التي تشهد حالة من التباطؤ والركود؛ خوفا من كساد البضائع. وأوضح بعضهم أن العروض ليست كلها وهمية: «محال المواد التموينية تعرض تنزيلات كبرى مجبرة لاقتراب انتهاء صلاحية المواد، وبعض الأسواق تجري عروضا على السلع البديلة والمقلدة من أجل زيادة البيع وتعظيم الأرباح، وفي كلتا الحالتين لا بد أن تخضع البضائع لرقابة الجهات المختصة من أجل ضمان عدم انتهاء صلاحيتها، ومن أجل معرفة نوعية البضائع التي تباع للمستهلك، خاصة في ظل وجود بضائع مضرة وغير جيدة وخطيرة لرخص ثمنها ما يدعو إلى القلق، خاصة أننا نسمع كل يوم عن إتلاف كميات كبيرة من المواد الغذائية الفاسدة». الأسعار ثابتة خالد «موظف» أكد أنه ذهب إلى محل ألبسة عرض في إحدى الصحف تنزيلات كبرى، إلا أنه فوجئ عندما زار ذلك المحل بأن الأسعار لا تزال كما كانت عليه في الماضي: «لم يحدث عليها أي تغيير، وعندما سألت صاحب المحل أجابني بأن التنزيلات ليست على هذه البضائع بل على بضائع أخرى (استوكات) قديمة». أما رولا عبدالحي، فقالت إنها زارت أحد المحال التي أعلنت في الصحف عن تنزيلات على بضائع ذات ماركات عالمية تصل إلى 70 %، ولكن عندما دخلت هذا المحل فوجئت بأن العرض على ملابس رديئة وليست من الماركات: «كلما سألت عن قطعة قال الموظف هذه لا يشملها التخفيض، وهذا دليل واضح على أن هذه التخفيضات ما هي إلا مصيدة». أنتظرها بشغف وقالت المتسوقة «مرام» خلال تسوقها إنها تنتظر موعد التخفيضات على الماركات العالمية والتي غالبا ما تكون عند دخول الصيف على الملابس الشتوية، وعند دخول الشتاء على الملابس الصيفية: «بالنسبة إلي أشتري في هذه المواسم للأعياد والمناسبات، ولكن أفاجأ في الأعياد أن البضاعة التي أشتريتها لأولادي بالتخفيضات هي نفس المعروضة، وأعتقد أن معارض الصناعات التي تشترك فيها معظم الدول تسبب ركودا في الأسواق يدفع أصحاب المحال للإعلان عن التخفيضات». التعميم خطأ ويقول عبده عيسى، صاحب أحد المحال الكبيرة التي أقامت عروضا وتنزيلات، إنه من الصعب التعميم على جميع العروض والتنزيلات بأنها وهمية: «بدليل الزحام الذي تشهده المولات والمحال والإقبال الشديد عليها، فالمستهلكون يذهبون للشراء بإرادتهم ورغبتهم لأنهم يعرفون أنها عروض جيدة وسيستفيدون منها، كما أن المستهلك بات يستطيع التفرقة بين العروض الحقيقية والعروض التي توهم المتسوقين وتستخف بهم». من جهة أخرى، يقول محمد الفقي بائع في أحد المحال التجارية المعلنة عن التخفيضات الموسمية، إن حركة التخفيضات في السوق السعودية تخضع لمراقبة وأغلبها حقيقية: «لا يمنع أن هناك تلاعبات ولكن على نطاق ضيق، كما أن هذه التخفيضات تتم على مدار العام، ففي موسم الشتاء تخفيض ملابس الصيف، والعكس، إضافة إلى مواسم الأعياد ومواسم العبادة ومواسم الإجازات القصيرة». استغلال للبسطاء ويتحدث مشعل جوني مدير محل للماركات العالمية، بقوله إن لكل بلد نمطا معينا للماركات والقطع، وتتم هذه التخفيضات بأمر من الشركة المصنعة: «وبصفتي مدير محل تباع فيه ماركات عالمية أتلقى الأوامر من الشركة الأم، كما أن سعر التخفيض للماركات العالمية موحد في كل البلدان، أما ما نرى ونشاهد حاليا من تخفيضات للماركات المحلية فهو طمع من قبل بعض التجار، وأغلب التخفيضات لديهم مجرد خصم من سعر القطعة المباعة للتخلص منها واستيراد قطعة جديدة تطابق الموضة والذوق العام». هوس شرائي من جهة أخرى، أكدت الاختصاصية النفسية موضي اليحيى، أن مصطلح الهوس الشرائي معروف في علم النفس، وسببه فراغ المرأة واستجابتها للإعلانات: «بعض النساء يعتبرن الخروج للتسوق متعة لتفريغ ما في نفسها، كما أن بعضهن يتسوقن ل (البرستيج) فقط، ما يزيد الرغبة الشرائية لديها، فيتكرر ذهابها للسوق لأي سبب، وبالتالي يتصاعد المبلغ الذي تصرفه فيتولد لديها إحساس بأنها من تفتح هذه الأسواق، كنوع من تخفيف الإحساس بالذنب» .